القضية السورية عبـرت الحدود وحلـفاء الغـــــرب سقطـــوا في نار الفتنــــة
قــدر الحركــة الاسلاميـــة السياسيـــة فـــي تونــس ان تكـــون مــــــع المجتمـــــع لا في مواجهتــه
تونس كانت تصدّر للعالم العلماء والنخب ا لثقافية واليوم سجلت رقما مخيفا في الهجرة والتكفير
حوار:اسماء وهاجر
هثيم مناع، مفكر سوري، وناشط حقوقي درس الطب والعلوم الاجتماعية وهو دكتور في الأنتربولوجيا ومختص في المعالجة النفسية الجسدية واضطرابات النوم واليقظة من جامعات باريس. كتب للمجلات الأسبوعية ولمجلة «دراسات عربية» وعرف باهتمامه بقضية المرأة. له قرابة ثلاثين كتابا بالعربية وكتب بالإنقليزية والفرنسية والإيطالية في قضايا المرأة والتنوير وحقوق الإنسان، منها: «موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان» و«مستقبل حقوق الإنسان». نال مناع تكريم «هيومان رايتس ووتش» عام 1992،وميدالية حقوق الإنسان للأكاديمية القومية للعلوم في واشنطن.
اضطر هيثم مناع لمغادرة سوريا سراً بعد ملاحقات أمنية له استمرت عامين، ووصل إلى فرنسا في 27 ماي 1978 ولم يتمكن من العودة لبلده إلا بعد 25 عاما بسبب نشاطه للدفاع عن ضحايا القمع في بلده.
أسس اللجنة العربية لحقوق الإنسان مع منصف المرزوقي وفيوليت داغر ومحمد حافظ يعقوب ومحمد السيد سعيد وناصر الغزالي ومحمود الخليلي في 1998، وهو عضو في مجلس إدارة ومجلس أمناء قرابة 130 منظمة غير حكومية، وشغل مناصب عربية ودولية قيادية في المنظمات غير الحكومية، ورفض أي منصب حكومي. وقد انتخب في سبتمبر 2007 رئيسا للمكتب الدولي للمنظمات الإنسانية والخيرية في العالم للمرة الثانية، ويرأس منذ 2009 المعهد الاسكندينافي لحقوق الإنسان.
كان هيثم مناع -بصفته مدافعا عن حقوق الإنسان- من أهم الشخصيات المعارضة الشهيرة التي دعت لإسقاط النظام السوري بالطرق السلمية وفقد اخاه معن العودات اثر قنصه أثناء تظاهره في مدينة درعا، مهد الثورة السورية. يعتبر من مؤسسي هيئة التنسيق الوطنية المعارضة التي ترفض إسقاط النظام بالقوة أو الاستعانة بالخارج أو بالجيش الحر. وهو نائب المنسق العام ورئيس فرع المهجر في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي…
في لقاء لـ «التونسية» به تطرق هيثم مناع الى مجموعة من المسائل منها ما تعلق بتقييمه لمواقف صديقه المرزوقي بعد أن أصبح في السلطة ورأيه في المشهد السياسي في تونس والثورة التونسية ودور الجهاديين في تشويه المعارضة السورية والعديد من النقاط الأخرى …
كنت صديقا مقربا للمنصف المرزوقي والقاسم المشترك بينكما هو الدفاع عن حقوق الإنسان فهل ترى انه ظل وفيا لها بعد أن اعتلى عرش الرئاسة ؟
ـ أولا أريد التوضيح بأنني لم أطلب منه شيئا كما أنه لم يطلب مني شيئا يتعلق بمهامه ومنصبه. ثانيا من المبكر تقييم المرحلة الانتقالية ودوره فيها، وموضوع حقوق الإنسان تحديدا يجعل المسألة أصعب. كان يقول دائما أنا أحمل حقوق الإنسان معي للعمل السياسي ولا أحمل العمل السياسي معي لنشاطي الحقوقي. لكن بالتأكيد لي ملاحظاتي التي أعتقد أنه من الأفضل أن نجلس يوما، بعد الرئاسة، للتعرض لها والاستماع لوجهة نظره حولها.
هل صحيح أن تجربة السلطة التي عاشها المرزوقي جعلتك تعرب عن رفضك لمنصب رئاسة الوزراء بسوريا الذي يتردد أنه قد يعرض عليك في سوريا ؟
ـ سبب رفضي لأي منصب قبل المباشرة بالانتقال من دولة أمنية إلى دولة قانون ومواطنة هو قناعتي بأن أي قبول من هذا النوع يعني التخلي عن الأهداف والمبادئ الأساسية للحركة المدنية الديمقراطية التي طالبت دوما بتغيير جذري ضمن عملية انتقال سلمية.
كيف تقيّم موقف المرزوقي عندما قرر قطع العلاقات مع سوريا ؟
ـ أعتقد أنه كان قرارا عاطفيا. وأظن أنه لن يعترض اليوم على عودة هكذا علاقات، على الأقل لمعرفة مصير أكثر من خمسة آلاف تونسي دخلوا الأراضي السورية لغاية أخرى تختلف تماما عما انتفض الشعب السوري من أجله. عندما شارك المنصف في مؤتمر القمة ببغداد كان من بين الملفات التي تطرق اليها مع السلطات العراقية ملف السجناء التونسيين في العراق. تونس كانت تصدّر للعالم الطلبة والعلماء والنخب الثقافية ولكنها في هذا الزمن سجلت رقما مخيفا في «الهجرة والتكفير». أظن أن إجماعا سياسيا حول هذا الموضوع هو الإجراء الوقائي الوحيد كي لا يدفع كل تونسي وتونسية في العالم ثمن سلوك واختيارات مجموعة هامشية في الحياة التونسية.
ما الفرق بين الثورة في كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا؟
ـ هذا السؤال يحتاج لمجلد للرد عليه. لقد أسست اللجنة العربية لحقوق الإنسان (بمفكريها الديمقراطيين العلمانيين كمنصف المرزوقي وفيوليت داغر والفقيد محمد السيد سعيد وأنا والإصلاحيين الإسلاميين كالشيخ عبد الله الحامد) مدرسة المقاومة المدنية الأقوى في العالم العربي وكانت أطروحاتنا على المحك. في ليبيا وسوريا يعود الجمهور ليتحدث عن رفضنا للناتو وشركائه والعنف بكل أشكاله والمذهبية المقيتة بكل تعبيراتها. تونس محمية بمجتمع مدني فشلت الدكتاتورية في اغتياله وطبقات وسطى يعود الفضل في وجودها لقوانين تنظيم الأسرة البورقيبية وقدر الحركة الإسلامية السياسية فيها أن تكون مع المجتمع لا في مواجهته. الأمر يختلف في التجارب الأخرى.
كسياسي كيف تقيم المشهد في تونس؟
ـ ما زال العنف مهمشا وملاحقا بالمعنى السياسي والأمني والشعبي، تبقى تعثرات الانتقال قابلة للحل في مصارعة مدنية متحضرة وسلمية تسمح بالانتقال السلس.
هل ما حدث في سوريا هو ثورة ضد الاستبداد حقيقة أم ربيع عبري كما يقولون؟
ـ في سوريا كانت هناك انتفاضة في درعا على الاستبداد والفساد، انتفاضة رأيتها «سلمية ولو قتلوا كل يوم مية، «لا أخوان ولا سلفية بدنا دولة مدنية». هذه الانتفاضة لم تكن لا في العالم الافتراضي الملوث بالعنف والطائفية والحقد، ولا في بعض الفضائيات التي خرجت عن كل معايير العمل المهني. للأسف كانت هناك محاولة لتحويل الصراع الاجتماعي السياسي في سوريا إلى صراع جيو سياسي على سوريا. ثم كان مؤتمر «أعدقاء» (ما يسمى أصدقاء) الشعب السوري الذي بنى محورا غربيا عربيا تركيا ضد محور روسي إيراني صيني. وكانت مادة التعبئة لهذا الصراع الفتنة السنية الشيعية وسقط في الامتحان كل من النظام والاسلاميين. أما الثمن فهو تحطيم البنى التحتية وتهشيم الجيش ومقتل أكثر من 136 ألف ضحية، أقل من ستة آلاف منهم سقطوا قبل التسلح ونداءات القرضاوي وأمثاله للجهاد في سوريا. قلنا لهم «إذا تسلحت تطيفت وتطرفت، وإذا دخل مئة من الشيشان سيأتي ألف من لبنان» فلم يفتحوا العين. غُدرت الثورة بالمال السياسي وبالسلاح. هل كانت الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية تحلم بحرب بين «حزب الله» و«القاعدة» على الأراضي السورية بأقل من مليار ونصف دولار وقد دفعت في العراق وأفغانستان تريليونات الدولارات؟ هل الحلم الإسرائيلي في أية مواجهة مع حزب الله بالقضاء على 500 مقاتل منه؟ يجب وضع حد لهذه الحرب العبثية المجرمة التي تمزق البلاد وتسحق العباد.
من حرب على بشار إلى حرب على الإرهاب انعشت شعبية بشار وجعلت حضوره اقوى وازدادت الاوراق التي يمسك بها.. ايهما اقرب للحقيقة وأنت من المعارضين لنظامه ؟
ـ نحن بين مطرقة إرهاب دولة وسندان الجماعات الإرهابية. بالتأكيد الناس أنهكت، ولكن النظام القديم لم يعد مقنعا حتى للمدافعين عنه.
هل تتصور دكتور هيثم أن طغيان التكفيريين والجهاديين على المعارضة في سوريا ساهم في تشتيت المعارضة وتشويه صورتها ؟
ـ كنت أول من نبه الى خطر التكفيريين، بل وشاركت مع عدة منظمات حقوقية في إعداد دعوى قضائية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد حكومة أردوغان الذي أغمض العين، بل وساعد على وصول المقاتلين الأجانب. هؤلاء لا يعرفون النسيج المجتمعي السوري والتعايش التاريخي بين 26 ملة ونحلة، لذا يقتلون السنة والمسيحيين والعلويين ويعزون النفس بأنهم يتخلصون من الرافضة والنصيرية. لقد جاءتنا حثالة الجهاديين التي لم تتقن سوى الموت والقتل وكانت أكبر صفقة لقوادهم الذين أسميهم «البورجوازية الجهادية». خدع المقاتل السوري بفكرة أن هذا سيعزز فرص انتصاره العسكري، فإذا بالمماليك يسيطرون على أصحاب الأرض. المقاتل في الجيش الحر مرتبه بحدود ثمانين دولار ومن يلتحق بهؤلاء يقال له «خبز وميه وورقة ميه وأربعمئة لأمك» (أي تأكل وتشرب ومصروف جيب مئة دولار لك وأربعمئة لعائلتك). أي ستة أضعاف ما يعطي الجيش الحر في الوضع المأساوي للناس من لاجئين ومشردين. إنها تجارة البؤس المسمى بالجهاد. للأسف لم تغلق تونس حدودها إلا متأخرة، واختلفت مع منصف المرزوقي حول هذا الموضوع الذي بقيت أيضاً حركة النهضة فيه تحت رايات القرضاوي وحركة الأخوان المسلمين ولم توقفه في الوقت المناسب. وإلا كيف نفسر عدد القتلى الجرحى والسجناء التونسيين المرتفع؟
كونك ضد المعارضة المسلحة، هل جعلك ذلك في وضع محرج واعتبارك جزءا من المعارضة الاقرب إلى قلب النظام؟
ـ عانيت كثيرا من ذلك وفي معارك غير أخلاقية. فقد زورت أوراق تتحدث عن السماح لي بزيارة القصر الجمهوري مع صديقي ورفيقي عارف دليلة ابن السجون لإعطاء المشورة للأسد ووزعت على الشبكة العنكبوتية، واتهمت باجتماعات سرية مع رموز وأجهزة النظام الخ. وأنا لم أزر سوريا منذ جويلية 2010. لم يكن من عاداني على درجة دنيا من الأخلاق والأمانة. ولكن اليوم يعود الناس ويقولون «لو سمعنا مناع لما كنا في هذا الجحيم». ولكن كما يقال: في الدين وفي التاريخ: «عند لو يبدأ عمل الشيطان».
ماذا أضافت جنيف للأزمة السورية وهل أفادها تدويل القضية؟
ـ التدويل واقع قائم، ولو اجتمع السوريون وحدهم لما استطاعوا إخراج خمسين ألف مقاتل غير سوري في الجبهتين من الأراضي السورية. نحن بحاجة لإعادة مؤتمر جنيف إلى السكة بعد أن أزاحه المندوب السامي الأمريكي روبرت فورد ومساعداه شوفالييه وولكس عنها بفرض وصايتهم على شكل ومضمون وعمل وفد نصف الائتلاف المشارك. سيفشلون ويعودون إن كان لديهم الحرص على كرامة القرار السوري المستقل، أو على الأقل لم يعد عندهم مصلحة في مواجهة قرارنا المستقل، لأن القضية السورية عبرت الحدود وصار حلفاء الغرب في نار الفتنة.
ماذا فقد الدكتور هيثم وهو يمضي قدما في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان في سوريا؟
ـ فقدت أمي وأبي وأخي وقرابة 25 شهيدا من عائلتيّ أمي وأبي وأكثر من مئة صديق ورفيق درب وصحة كانت أكثر تماسكا وبلدا لا نريد أن نقول بأن إعادة بنائه مهمة شبه مستحيلة. فقدت الثقة في أحزاب إسلامية كنت أظنها حليفا أمينا في معركة بناء الديمقراطية. فقدت أصدقاء اشتراهم المال السياسي. ولكنني لم أفقد حصتي في الأمل وقدرتي على متابعة الطريق ما دمت حيا. كسبت مناضلات ومناضلين أعتبرهم بارقة المستقبل لسوريا والمنطقة.
هل ما يقع في سوريا هو حرب بين الدب الروسي والولايات المتحدة الأمريكية واعلان عودة الثنائية القطبية؟
ـ الصديق محمد سيد رصاص يسميها «يالطا 2». أنا أفضّل تسميتها: تسويات نهاية الحقبة الأحادية الأمريكية. من مكر التاريخ، باستعمال تعبير هيغل، لقد ناضلت من أجل نهاية الهيمنة الأحادية سنوات، ودفع بلدي الثمن الأغلى لتحقيق انتقال مماثل على الصعيد الدولي. لكنني كمناضل في صفوف أحزاب وشخصيات لا تقبل الفصل بين الوطن والمواطنة، لن نسمح بتكرار سايكس بيكو بعد مئة عام.
هل حلم الديمقراطية مازال قائما في سوريا بعد أن أصبحت «داعش» و«جبهة النصرة» على الخط وما وراءها من القوى التي تمولها وتسلحها؟
ـ الديمقراطية ليست مجرد حلم، هي الخيار الوجودي لشعبنا للعودة إلى التاريخ والحياة.