سبتمبر 16, 2024

الفتنة القائمة في خطاب الخلايا النائمة في البحرين

Bahrain 1طالما احترمتُ الأداء المهني للصحفية منتهى الرمحي رغم خوضها في قضايا تتعدى الموضوعية أحيانا، بحكم معرفتي بعملية ضبط السقف والتوجه لهيئات التحرير في الفضائيات العربية. إلا أنني لا أخفي شعوري بالإحباط وأنا استمع لها تدير حلقة تلفزيونية عن الخلايا النائمة في البحرين. وتصل للقول بكل ثقة: “نحن في عالم مفتوح لا يمكن توجيه التهم جزافا، لا يمكن إلقاء القبض على مجموعة وتتهم دون تحقيق أمني، الكل مراقب منظمات حقوق الإنسان والإعلام يتكلم في الموضوع!!”. شعرت وأنا أسمع بأن السلطات العربية وسلطات الاحتلال في العالم العربي قد قامت بما عليها بمجرد القيام بتحقيق أمني. وأن  قرابة ستين ألف معتقل، أقل من عشرة آلاف منهم قدموا لمحاكم، يستحقون مصيرهم لأن الجلاد قد قام بواجبه. وحتى يكتمل السيناريو، قدم أحد الضيوف لنا نظرية متكاملة في الخلايا النائمة ودورها في أوقات السلم (تحرير معلومات استخبارية، تشكيك بالقيادة السياسية، تأليب الرأي العام) وفي التحضير للحرب (تحديد الأهداف الاستراتيجية من خلال رصد وتحديد مواقع الحشود والعمليات..) والحرب نفسها (القيام بعمليات تخريبية محدودة، توجيه أسلحة المعتدي نحو دقة أكبر في الإصابة..). كنت أسمع كل هذا وأمام عيني صورة صديقي الدكتور عبد الجليل السنكيس المعتقل منذ 13 آب/أغسطس 2010. والسنكيس، المقعد على كرسي متحرك، هو مهندس تلقى تعليمه في بريطانيا، ويعمل أستاذا في جامعة البحرين، من أكثر الزملاء في الخليج دقة ليس في تحديد الأهداف الاستراتيجية للعدو، بل في تكوين ملف موثق يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان في بلده. لقد تأكد لي أن عبد الجليل قد تعرض للتعذيب رغم تردي وضعه الصحي، وهذا هو حال العشرات من المعتقلين المعروف عن عدد منهم، نشاطه في جمعيات حقوقية للدفاع عن الضحايا والمعتقلين. لقد تم التشهير بالرئيس الأول لمركز البحرين لحقوق الإنسان عبد الهادي الخواجه في الإعلام شبه الرسمي وكذلك في الرئيس الحالي نبيل رجب، أما رئيس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان الدكتور عبد الله الدرازي فقد تمت تنحيته بقرار إداري عن منصبه وتعيين مدير للجمعية من قبل السلطة التنفيذية في خطوة نحو تأميم الجمعية بانتسابات جماعية منتظمة لجماعات قريبة من السلطة. ومع تدهور الوضع الحقوقي في البلاد، قدم رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سلمان كمال الدين، المعين حديثا من الملك، استقالته من منصبه.

يبدو أن هوس احتمال الحرب أو هاجس المؤامرة المطبوخة إيرانيا شبه الباثولوجي أو الرغبة في السيطرة على انتخابات يفترض أن تتم في قرابة أربعين يوما بدون شهود أجانب (أي بدون مراقبين عرب أو دوليين) وراء هذه الحملة التي تحطّم وبشكل منهجي مجموعة انجازات عرفتها البحرين في مطلع هذا القرن ونجم عنها الترخيص للجمعيات الحقوقية والثقافية والسياسية، قبل أن تبدأ عملية قضم الأظافر ثم قطع الأصابع وأخيرا المصادرة والملاحقة والإغلاق.

لا يمكن للحكومة البحرينية أن تختبئ طويلا وراء ملفات المؤامرة الخارجية أو الخطر على أمن المواطنين أو مكافحة المذهبية التي تغذيها يوميا بإجراءات تمييزية رصدتها منظمات حقوق الإنسان مجتمعة. ولا شك بأن هذا التصعيد الذي فشلت أجهزة الأمن في تسويقه في ديسمبر 2008 وفي سيناريوهات اعتقالات كارزاكان والمعامير، والذي ينال هذه المرة دعما من وزراء خارجية وداخلية مجلس التعاون الخليجي، وتغطية إعلامية كبيرة لتضليل الرأي العام، لن يكون مجديا وبعيد النظر، بل على العكس من ذلك، سيحمل كل بذور التفرقة والبعثرة والتحريض المجاني بين أبناء الوطن الواحد. وهو محكوم إما بالفشل والعودة إلى الحد الأدنى من احترام حق الإختلاف والتعدد السياسي والثقافي والمدني، أو بناء نمط جديد للدكتاتورية لا تستطيع مملكة البحرين احتماله بحكم حالة الوعي المرتفعة عند مواطني هذا البلد، الذي أعطى المثل لدول الخليج بنشاطيته الثقافية والمدنية العالية.

لقد ملّت الإطارات من حارقيها، وملّت البطالة من وجوه العاطلين المتكررة، وسأم الجميع من تضخيم الرقابة قوائم ممنوعاتها على الشبكة العنكبوتية، وأصبح مشهد سيارات الأمن على أبواب الأحياء والقرى الشعبية يُشعر كل مواطن بأنه مشبوه بالضرورة، مشاغب بالضرورة، وموضوع ملاحقة محتملة عاجلا أو آجلا. لم تعد مراكز التحقيق تخيف الناس، ولكنها أصبحت نقطة سوداء في سجل  الأمنية، ولن تنجح القبضة الأمنية الحديدية إلا في تعميق الشروخ الوطنية والمواطنية. فهل من مبادرة حكيمة تضع حدا لهذه السياسة ذات العواقب الكارثية والمدمرة، هذا السؤال يطرح على ملك البلاد عشية عيد فطر يجمع في جوهره كل أبناء المملكة، وتتمنى كل عائلات البحرين فيه عودة بناء الحد الأدنى من جسور الثقة، بين الحاكم والمحكوم.  

9/9/2010