في مواجهة أي حالة صراع مسلح متعدد الأسباب والأدوات والمترتبات، السؤال المركزي المطروح هو : كيف يمكن تجميع كل الأطراف التي لم تعد مقتنعة بأن الصراع المسلح هو الطريق للوصول إلى أهدافها ضمن عملية تفاوضية واحدة. ثمة مسائل منهجية تطرح نفسها على الأطراف الفاعلة في الصراع، كذلك على تلك التي تطرح نفسها وسيطاً من أجل وضع حدٍّ له من أهمها:
– ليس الأساس في المسار التفاوضي تحديد المسئوليات، بل التشخيص الصحيح للوضع وعناصر استمرار العنف، والوسائل التي تسمح بتواجد أغلبية سياسية وعسكرية قادرة على وضع حد للصراع الدموي وتعبيد طريق الخروج إلى انتقال سياسي ممكن التحقق، إنتقال حقيقي يسمح بتهميش الأطراف الحريصة على استمرار الصراع المسلح بأي شكل ولأي هدف كان.
– لا يمكن للأطراف الخارجية، مهما كانت درجة تدخلها وتأثيرها، أن تحل محل الأطراف السورية والرؤى السورية المستقلة المعبرة عن صوت اللاعبين والضحايا. وما ورقة السيد ديميستورا عشية نهاية الجولة الثانية، التي يغيب عنها كلمتي الأمنية والمدنية، وهما معضلة الأزمة ونبراس الحل، سوى تعبير عن عجز غير السوريين عن تلمس المسائل المركزية في عقول الأغلبية الساحقة من السوريين.
من أجل ذلك كان إصرارنا على الحل السياسي وضرورة إنتاج معالم الطريق لهذا الحل، من خلال مشاركتنا المركزية والفاعلة في مؤتمر القاهرة وصناعة مخرجاته، ومتابعتنا لتفاهمات فيينا وقرار مجلس الأمن وما تلاه من انطلاقة لجلسات جديدة فيما يعرف بمؤتمر جنيف 3.
رفض “تيار قمح” المشاركة في مؤتمر الرياض عندما توضح له تحجيم دور السوريين في التنظيم والقرار والمسار، وبذل جهداً كبيراً من أجل اعتبار مؤتمر القاهرة طرفاً أساسياً في تمثيل المعارضة السورية في أية مباحثات مقبلة، حرصاً على وجود صوت سيادي سوري في مباحثات جنيف. ومن أجل ذلك، تبنى التيار صيغة المباحثات المتعددة الأطراف، حرصاً على مشاركة سورية مستقلة الصوت والقرار.
في رسالة من السيد سيرجي لافروف وزير خارجية الاتحاد الروسي إلى رئيس “تيار قمح” بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2254، أكد السيد لافروف على ضرورة وجود وفد ثالث بحقوق متساوية ودور أساس في المفاوضات.
إلا أنه، وكما أوضحنا في أكثر من مناسبة، لم يلتزم أي طرف فاعل وصاحب قرار بهذا التصور. ولم يلتزم الطرفان الراعيان ومديرهم التنفيذي (المبعوث الدولي) بهذا المبدأ. تفرغ المبعوث الأمريكي لقضايا وفد الرياض مع ما يسمى بسفراء الدول الداعمة للموقف الأمريكي، وأسند موضوع الوفد الثالث للطرف الروسي مع تحفظات على صفته وتركيبته ووظيفته. وأرسل السيد ديميستورا ضمن مواقفه المتضاربة رسالة مكتوبة لوفد الرياض يؤكد فيها عدم وجود وفد ثالث.
حاولنا مخلصين، في اجتماع لوزان وبعده، وضع حدٍ لهذا النفاق الجماعي، كان من الواضح أن السيد ديميستورا قد قبل دور المنفذ للإملاءات، وأن الطرف الروسي حريص على وفد ثالث بمقدار ما يضمن أن يكون هذا الوفد “منضبطا وتحت السيطرة”.
حاول تيارنا التوصل إلى وفد تفاوضي مستقل بقراره ولا يخضع لإملاءات أو هيمنة أي دولة. وبلجنة إشراف سورية ومجموعة خبراء مستقلين ومكانة متكافئة مع الآخرين، وقد رفضنا جميع الدعوات الفردية والصيغ البائسة لاستبعاد أطراف سورية أساسية، وتعاملنا بروح إيجابية وواقعية من أجل تحقيق ذلك. إلا أن أي من الأطراف الفاعلة، لم يكن أميناً في تعامله معنا، وبدا من الواضح أكثر فأكثر أن الطرف الأمريكي قد راهن على وفد الرياض، وترك موضوع وفد ثالث أو أكثر في عهدة الطرف الروسي ضمن قسمة جرى التوافق عليها. الأمر الذي حوّل موضوع وفد موسكو-القاهرة إلى عجلة احتياط في قطار المفاوضات يتم استعمالها حيث يلزم في العملية التفاوضية بما في ذلك سيناريو إعادة تكوين أطراف التفاوض إن احتاج الأمر، في تغييب لموضوع البرنامج السياسي والتصور المناسب لعملية التغيير الجوهري المطلوبة.
لقد كان مؤتمر القاهرة أهم مؤتمر مستقل الإرادة والقرار للمعارضة السورية في السنوات الخمس الماضية، لذا لم يكن له بين الدول المتدخلة في الشأن السوري صديق أو نصير، فأصرت دول غربية على تمزيقه منذ الأيام الأولى، ورفضت دول إقليمية الإعتراف بحدوثه. ومعروف دعوة المملكة العربية السعودية لأشباه تنظيمات وأشخاص بأسمائهم، ورفضها توجيه الدعوة لمؤتمر القاهرة، وحتى اليوم، ثمة إصرار على عدم وجود وفد مستقل لمؤتمر القاهرة في مباحثات جنيف.
من أجل كل هذا، اعتذر هيثم مناع وماجد حبو وبتار الشرع وصالح النبواني وأبجر ملول وحبيب حداد وغيرهم عن حضور الجولتين الأولى والثانية. ومن أجل هذا أيضاً، رفض “تيار قمح” الصيغة التي طرحت مؤخراً في القاهرة للمشاركة في الجولة الثالثة بنفس الشروط السابقة، والتي تقبل ما لا يمكننا قبوله، وتعطّل تشكيل وفد سوري مستقل القرار والإرادة بحقوق متساوية.
وبناء عليه، أعلن من جرى توجيه الدعوة له من “تيار قمح” للجولة الثالثة من المباحثات إلتزامه بهذا القرار.
10/04/2016