الحوار.نت : دكتور هيثم مرحبا بك ضيفا علينا عزيزا كريما… يكاد يكون التوازي بين تقدم الحركة الحقوقية العربية والدولية شعبيا وأهليا في العقود الأخيرة وبين تقدم حركة التعذيب والحرمان من الحقوق في كثير من البلدان العربية والإسلامية .. يكاد يكون ذلك التوازي بين الأمرين هو الأصل الذي لا بد منه في حين أن المأمول هو تقلص نفوذ التعذيب وتقدم نفوذ الحركة الحقوقية. إذا كان ذلك أو بعض منه صحيحا فهل من تفسير لدى مناضل حقوقي عتيد مثلك يا دكتور هيثم؟
الدكتور هيثم : لا يمكن التعامل مع التقدم القانوني الدولي وفعالية نشاط الحركة الحقوقية باعتبارهما المؤثر الأساس في قضايا التعذيب. التعذيب كجريمة قضية متعددة الأسباب والدوافع ومقاومتها لا يمكن إلا أن تكون متعددة الأشكال والوسائل. لو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر المثل الأوربي نجد أن هذه التجربة قد حققت تقدما مضطردا في مناهضة فكرة التعذيب منذ التنوير ونقد ظلاميات محاكم التفتيش والحكومات المطلقة. وتم التأكيد على حماية النفس والجسد منذ القرن التاسع عشر ومع ذلك جاءت نكسات الحربين العالميتين والتجارب الشمولية في أوربة لتعود بها للخلف عقودا وعقودا. لأن الحق الإنساني على جوهريته مازال غضا طريا وهشا في كيان مؤسسات الدولة التي تعود لأكثر من عشرة آلاف عام. هذا لا يعني أن الحق يحتاج لوقت لقوننته أو زمن لوعي الناس له كما تقول بعض السلطات التسلطية، ولكن بالتأكيد فإن اكتسابه بنشاط مجموعات مدنية أو حركات شعبية لا يجعله نهائيا ومفروغا منه. لا بد من إتقان عملية الحفاظ عليه وتوطيد آليات تحمي الحق والإنسان، من هنا أهمية تغلغل الحقوق الإنسانية للثقافة السياسية والشعبية ليكون هناك بشر يتمتعون بالحذر واليقظة من كل كلام معسول عن تأقيت وشل هذا الحق أو ذاك وضرورة تحديد هذه الحرية أو تلك. فعندما تعلن حالة طوارئ تعلن باسم أمن المواطن لا طمأنينة الحاكم، وعندما يسن قانون مناهضة إرهاب يجري ذلك باسم الأمن القومي والإنساني لا باسم تعزيز السلطة التنفيذية وإضعاف آليات المشاركة والمحاسبة.
الحوار.نت : هل يوافق الدكتور هيثم على أن تقدم حركة التعذيب والحرمان من الحقوق في البلدان العربية والإسلامية في العقود المنصرمة تزامن مع صعود المعارضة الإسلامية السياسية بزخمها الشعبي من ناحية وبما يشبه إنصهارها ضمن العمل الوطني الديمقراطي المعارض من ناحية ثانية؟ إذا كان بعض ذلك صحيحا فكيف يرى الدكتور هيثم الأمر؟
الدكتور هيثم : من الضروري تناول هذا الموضوع بمقاربة جدلية عربية وعالمية. خلال فترة من الزمن تراجعت السلطات التعسفية على عدة أصعدة وتم تحقيق مكاسب هامة مثل تراجع عدد المعتقلين السياسيين إلى النصف تقريبا ودخول فكرة المحاكمات السياسية وإن لم تكن عادلة لعدة بلدان كانت تلقي بالسجين السياسي في غياهب معتقلاتها لأكثر من خمسة عشر عاما أحيانا دون محاكمة وأغلقت السجون السيئة الذكر في عدة عواصم عربية ووقعت عدة حكومات عربية على مواثيق هامة منها اتفاقية مناهضة التعذيب مثلا. ويمكن القول دون حرج أن تواطؤ حكومات غربية مع عمليات القمع التي نالت الحركات الإسلامية السياسية في عدة بلدان عربية كان أول ثغرة تسرب منها الأمن العربي ليعود لوسائله المشينة مع نوع من إغماض العين الغربية على هذا الصنف من الانتهاكات وأمثلة مصر والجزائر وتونس بعد المثل السوري خير توضيح لما أقول. لكن ما حول هذا الوضع من حالات وطنية إلى حالات إقليمية وكوكبية هو ما يسمى بالحرب على الإرهاب. هنا يمكن إجراء مقارنة بسيطة بين التقرير النقدي الذي قدمته على تقرير الحكومة السورية قبل ست سنوات والتقرير الذي قدمته المنظمات غير الحكومية ردا على التقرير الأمريكي في 2006. هنا نجد أن ثمة طرف دولي كبير فاعل ومؤثر في الوضع العربي قد سبق الجميع بانتهاكاته لحقوق الإنسان وبذلك حطم كل المعايير. وكون الإسلام هو العدو والقاعدة قواعد ومنظمات وأشكال وألوان تصنف إرهابية بضربة قلم. أصبح من الصعب على إدارة أوجدت أسطورة أبو غريب أن تتحدث في عدرا والحائر والعزل في السجون التونسية. لكن بالتأكيد هناك قصور عالمي في قضية المعتقل السياسي لأسباب إسلامية. وقد حاولنا عبر تجربة الزميل تيسير علوني كسر هذه القاعدة وأظن أن تيسير البريء في رأس وأقوال مسئولين وقضاة إسبان، قد أصبح أمثولة للعديد من الحملات التي بدأت تكسر قاعدة “إفعل بالمعتقل الإسلامي ما تشاء” التي توافقت عليها أجهزة الأمن في عصر الحرب على الإرهاب
الحوار.نت : هل يوافق الدكتور هيثم على أن الحركة الحقوقية العربية رغم تقدمها الكبير ينقصها أمر كبير وهو : إستنادها على قاعدة إرتكاز ثقافية عربية صلبة تكون بمثابة مرجعية فكرية لعملها ونضالها وتسويق نفسها دوليا سيما في المناطق التي لا ترحب بثقافة حقوقية عربية؟ إذا كان بعض ذلك صحيحا فهل من تفسير لديك دكتور هيثم؟
الدكتور هيثم : هذا السؤال دقيق قبل عشرين عاما. الحركة العربية لحقوق الإنسان هي من أنشط الحركات الإقليمية في بناء مرتكزات ثقافية محلية الإطار عالمية المحتوى تنضب من معين الثقافة العربية و/أو الإسلامية دون كلل أو حرج. أول موسوعة حقوقية كان لنا الشرف بإنجازها عام الألفين، هناك أكثر من عشرة كتب عن الأسس الفلسفية والحقوقية لنضالنا في الثقافة العربية، أذكر بأن اللجنة العربية لحقوق الإنسان تصدر بمعدل كتاب كل ثلاثين إلى أربعين يوما في ثقافة الحقوق الستة (اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية ومدنية وبيئية) والديمقراطية والتنمية، وقد شاركنا في تقرير التنمية العربية وننسق باستمرار مع المفكر العربي الصديق نادر فرجاني الذي قاد فرق البحث التي أعدته. نحن قوة اقتراح لتطوير وتفعيل آليات المحاسبة والمراقبة لحقوق الإنسان. ولعل هذه النجاحات هي التي تجعل الأطراف الدولية التي اعتادت على نغمة شمالية عمدتها عالمية هي التي تزعج البعض. ولكن كما نقول لشركائنا الشماليين عليكم التخلص من المنعكس الاستعماري والتعامل مع الحركات الجنوبية لحقوق الإنسان بوصفها معين الابتكارات الأهم في النظرية والممارس اليوم، ليس لأنها متفوقة عرقيا أو سياسيا أو قوميا، ولكن لأنها ابنة معاناة حقيقية. لدينا أمراضنا ونقاط ضعفنا وطفيلياتنا المتعيشة من الجسم النضالي، لدينا المروج للغرب والمهرج للسلطة السياسية في بلده، لدينا المدجن ولكن أيضا لدينا المعجن الذي بنى شخصيته الخاصة وتجربته الخاصة خارج نطاق التعيش أو الكسب السريع أو الاستقواء الموظف. لكن بالتأكيد نحن في أول المسيرة. أنا عائد من الدوحة حيث شاركت في دورة تدريب كوادر خليجية وقد جرت نقاشات جد هامة مع أكثر من شيخ وعالم في موضوع العلاقة بين الإسلام وحقوق الإنسان وطرحت في النقاش سؤال: ما هي نقاط التعارض بين الإسلام والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؟ فهذا العهد لا يشير لحكم الإعدام ولا يتطرق لتغيير الدين وهي أمور تثار عادة في الخلاف مع الإعلان العالمي لعام 1948. فقال لي أكثر من عالم إسلامي لا يوجد أي خلاف، هذا العهد تحاربه السلطات الاستبدادية لأنه يحاسبها وهي لا تريد أية آلية متابعة أو مراجعة لما تفعل لذا ترفضه بدعوى تعارضه مع الإسلام. وهذا مثل صارخ لتوظيف المستبدين للعقائد بتفسير غير صحيح ومختزل بشكل يخيف الإنسان من وسائل تحقيق كرامته التي أصلها القرآن لضمان تعسف وظلم وفساد الحكام.
الحوار.نت : هل يوافق الدكتور هيثم على أن الحالة التونسية الحديثة حقوقيا ( على مدى العقدين الأخيرين تحديدا ) تشكل مأزقا حقيقيا ومأساة ظلت صامتة لما يناهز عقدا كاملا إذ لأول مرة بعد الحالة المصرية في عقد الخمسينات يحتجز مئات من المناضلين الإسلاميين المشهود لهم بالبراءة من العنف والإرهاب على مدى عقدين كاملين تقريبا في ظروف سيئة جدا مما أفضى إلى موت خمسين منهم تحت التعذيب والموت البطيء والتنكيل المتعمد والتشفي المقصود والحرمان من التداوي؟ إذا كان ذلك صحيحا فهل من تفسير لدى الدكتور هيثم؟
الدكتور هيثم : أولا للأمانة الحالة المصرية حتى اليوم فهناك آلاف المعتقلين الإسلاميين منذ الثمانينات. ثانيا الحالة التونسية لا مثيل لها عربيا، فهي بسلاح حقوق الإنسان تنتهك هذه الحقوق وبسلاح العلمانية الاستئصالية تتحدث في الحداثة وبادعاءات النجاح الاقتصادي تتحدث عن أنموذج للنجاح. وللأسف شكل هذا الخطاب غشاوة على عيون العديد من المناضلين حتى داخل تونس لسنوات. إلا أن كشفت ورقة التوت عن عوراته بحملته على المجتمع المدني التي وضعت العالم أمام صورة حقيقية لما تعرض له الإسلاميون خلال فترة حكم الدكتاتورية الأمنية. وأذكر أنه حتى مؤتمر فيينا، كان لوبي ابن علي ناشطا لتصوير الوضع في تونس على أنه الأفضل في إفريقيا.. وللأسف كان العديد من الحقوقيين في حالة شلل ذهني وعمى عملي. ولحسن الحظ، أن نخبة من المناضلين استطاعت خلال عشر سنوات من قلب هذه المعادلة وتحويل أي صمت عما يجري في تونس إلى تواطؤ يدين صاحبه. ولا بد من استمرار النضال وبكل وسائل المقاومة السلمية وبكل خارطة المعارضة الديمقراطية، إسلامية علمانية من أجل تونس أخرى تنتمي لقيم الحضارة العربية الكبرى وتنهل من تجارب الأمم وتتفاعل مع جيرانها. كل ما أتمناه أن يتم هذا التغيير بأقل الخسائر لأن الجروح المعنوية كبيرة وآلام الشعب التونسي جسيمة. فالنار الهادئة تحرق ونتائجها بعيدة الأثر.
الحوار.نت : هل يمكن إجمال أهم العقبات أمام الحركة الحقوقية العربية بإختصار لقرائنا الكرام ورؤيته لمستقبل تلك الحركة؟
الدكتور هيثم : هناك عقبات ذاتية وأخرى موضوعية وسأحاول الاختصار لأنك تقدم سؤال لوحده موضوع نقاش شامل. على الصعيد الذاتي نحن نمر بمرحلة اصطفاء طبيعي وتحديد للتخوم والفوارق بين مراكز محترفة تعمل في مجال حقوق الإنسان وحركة تطوعية مدنية مجتمعية تناضل من أجل هذه الحقوق. ونحن نعول كثيرا على نمو قوي للحركة يخلق تواصلا حقيقيا بين المنظمات غير الحكومية والناس. كذلك لا بد من الاستمرار في عملية بناء مدرسة فكرية أصيلة ومتميزة. على الصعيد الموضوعي ما زالت الحركة العربية تدفع ثمن غياب الحريات الأساس: التنظيم والتعبير والتجمهر. وفي وضع كهذا نحن معلقين بين سماء الحلم ومستنقع الدولة الأمنية، هذه الدولة التي سنت منذ 11 سبتمبر 2001 أكثر من 300 قانون مؤقت وقانون مناهض للإرهاب وقوانين مقيدة للحريات ولم تنجح في سن قانون عصري واحد للمنظمات غير الحكومية. ولا شك بأن العامل الدولي في غاية الرداءة وسيدفع البشر ثمن حماقات بوش-شيني لزمن طويل.
الحوار.نت : إستمعنا إلى الدكتور هيثم قبل شهور قليلة على قناة الحوار اللندنية يقول في شأن النظام التونسي بأنه عبارة على عصابة لا ترتقي إلى درجة نظام أو حكومة أو دولة وكان ذلك في معرض الحديث عما وقع له في تونس سيما عند وصوله إليها جوا. هل يتفضل الدكتور هيثم بشرح ذلك سيما أن كثيرا من المعارضين والحقوقيين والإعلاميين التونسيين اليوم يستخدمون ذات اللفظ ( عصابة )؟
الدكتور هيثم : النظام السياسي هو جملة قواعد ناظمة للعلاقة بين الدولة والمجتمع، الحكومة هي السلطة المنفذة لسياسات يحددها ممثلي الشعب، الدولة هي سلطات مستقلة تنفيذية وتشريعية وقضائية متكاملة تنظم العنف والسلم وتؤطر أشكال التعامل المباشرة وغير المباشرة مع الناس.. في تونس يوجد قضاء تعليمات تنفيذية ومنتخبين بالعافية القمعية يصفقون ويهللون بحمد الطاغية، وسلطة بوليسية ابتلعت التنفيذي وشوهت أسلوب عمله وعلاقته المواطنين. أخي أطلب منك أن تنسى أنك تونسي ثلاث دقائق وتبحث لي عن تعريف غير مشين للسلطة التونسية. نحن حقيقة أمام عصابة بكل معنى الكلمة تسير على قواعد التضامن العصبي للاستمرار الجماعي والانتهاك اليومي لمفهوم دولة القانون في عملية توطيد ووهم تأبيد لمؤسستي القمع والفساد.
الحوار.نت : شكرا جزيلا للدكتور هيثم مناع على ما أولانا به من حوار صريح
ضيف الحوار.نت : المناضل الحقوقي العربي الشهير الدكتور هيثم مناع الناطق بإسم اللجنـة العربيـة لحقوق الإنســان
حاوره : الهادي بريك ــ الحوار.نت ــ ألمانيا
من هو الدكتور هيثم مناع ؟ :
ـــ سوري الأصل من مواليد 16 مايو آيار 1951.
ـــ درس الطب والعلوم الإجتماعية بجامعة دمشق.
ـــ ناشط مسؤول في الحلقات الماركسية أيام الدراسة بسوريا حتى 1978 تاريخ وقف نشاطه السياسي التنظيمي وإلتحاقه بالمنفى بعد تطور الملاحقات البوليسية ضده .
ـــ كاتب ومؤلف لمئات من الكتب والأبحاث والدراسات والمقالات والخواطر في شتى الفنون وخاصة الحقوقية والفكرية.
ـــ مناضل حقوقي مشهور على نطاق دولي واسع.
ـــ الناطق بإسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان. ( باريس ).
ـــ محاضر يدعى شرقا وغربا لحلقات حوارية ودراسية وتعليمية وتدريبية
.
02/04/2007