هيثم مناع: الوفد التفاوضي في اللجنة الدستورية، ليس له قوة تمثيلية أو اعتبارية في سوريا وأغلبيته تحت سلطان أنقرة
تستمر المظاهرات في السويداء، ويأمل الثوار عبرها ويطلبون برحيل النظام، هل يمكن أن تنجح خاصة مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي المأساوي في الضغط على هذا النظام خاصة بعد المصالحات الإقليمية والعربية معه وعودته للجامعة العربية؟
يمكن القول اليوم، أن ثوار جبل العرب قد أخرجوا “القضية السورية” من المستنقع الآسن الذي وصلنا إليه، وكسرت ليس فقط حالة الخوف “من الأسوأ” كما كان يقال، بل من كل الأوضاع البائسة التي صنعها تجار وأمراء وسماسرة الحروب في عموم البلاد. وبصراحة أقول، هل تحدثت صحيفة دولية واحدة عن سوريا في 2023 باستثناء الحديث عن الزلزال المؤلم الذي أصاب سوريا وتركيا؟ بل أبعد من ذلك: هل كان بالإمكان احتلال وإغلاق مقر حكومة عبد الرحمن مصطفى والائتلاف في مارع لو لم يسبق ذلك إغلاق مقرات حزب البعث في السويداء؟… هؤلاء الشبيبة عنصر إلهام اليوم لكل سوري وسورية في عموم البلاد، سواء كان في مناطق النظام أو مناطق سلطات الأمر الواقع الثلاثة. بالنسبة لإعادة التدوير والتلميع العربية، لم يكن لدينا يوما القناعة بأن إغلاق السفارات سيسقط النظام، وكذلك لا يوجد لدي ذرة قناعة، بأن فتحها سيبقي السلطة الدكتاتورية على رقاب الناس. عندما تحرّك الشبيبة في درعا، لم يضع شابا واحدا في رأسه أن في دمشق فوق المئة سفارة من مختلف دول العالم، أو أن أسماء وبشار الأسد كانا يتناولان الغداء مع كارلا ونقولا ساركوزي في الإليزيه في 10 ديسمبر 2010؟؟
هل تفتقد ثورة السويداء الى قيادة حقيقية توجهها لإنجاحها حتى لا تكرر أخطاء عطلت الثورة السورية سابقا؟
كل ما ينصّب على حركة شعبية مدنية يُفقدها نقاءها الثوري والعملي، تتجه الأمور في السويداء إلى الشكل الذي نجح في عدة تجارب، أي تشكيل اللجان الشعبية المدنية لمواجهة المشكلات اليومية للمواطنين، وهي تلتف حول قيادة روحية ملتزمة بمطالب الحراك، لدي الأمل بأن أهلنا في السويداء سيعطون دروسا لكل السوريين والعالم، في فضائل المقاومة المدنية.
دكتور هيثم، يشهد الائتلاف الوطني السوري خلافات حادة أدت الى استقالة بعض قياداتها بعد الانتخابات الأخيرة، ووصف البعض الخلافات كونها صراع حول المناصب لاغير، ما الذي أوصل الائتلاف لهذا الحال، وهل يحتاج لوقفة اصلاحية لتعديل مساره الذي لم يخدم الثورة؟
في مواجهة مع فاروق طيفور على محطة لبنانية قلت له أن ما يتشكل من الخارج وبإشراف دول خارجية لا يتعدى “عش دبابير ووليمة شحادين”، وقلت في مؤتمر “من أجل سوريا ديمقراطية ودولة مدنية” الذي شارك به المرصد السوري لحقوق الإنسان: “ما بني على خارج، يبقى خارج المعادلة”. لم يكن لدي أية أوهام حول الطريقة التي فرض فيها أعدقاء الشعب السوري “ممثلا شرعيا ووحيدا لقوى المعارضة والثورة في الدوحة”. اليوم أصبحت الجمل التي قلتها تتكرر على ألسنة الجميع، ومن الجميل في السويداء أن إسقاط النظام وإسقاط الائتلاف شعاران متلازمان.
هل دفعت المعارضة بتعقيد الحل السياسي نتيجة صراعاتها الداخلية البعيدة عن أهداف الثورة؟
لا أدري عن أية معارضة تتحدثين، سأكتب لكم قصة الخلافات والإملاءات الخارجية في مقالة سأخصكم مع معهدي بنشرها، السؤال يحتاج فعلا لصفحات.
دكتور هيثم، وانت الملاحق سابقا لربع قرن، ومؤسس أول منظمة غير حكومية عام 1978 “لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في الشرق الأوسط” في باريس للدفاع عن رفاقك وأهلك في السجون السورية (والدك، عمك، خالك، أصدقاء طفولتك وكل المعتقلين والمعتقلات في سوريا)، تعرف معنى الاعتقال والخطف ونتائجه المدمرة على العائلة والمجتمع. وتعرف جيدا ما ترتب على اعتقال أقرب الناس إليك (عبد العزيز الخير وإياس عياش ورجاء الناصر) الذين شكلت معهم القطب الديمقراطي السلمي الأقوى في سوريا. أسألك بصراحة مؤلمة: لماذا هذه اللامبالاة لملف المعتقلين والمعتقلات الذي يعتبر من وجهة نظر حقوقية، شرطا أساسيا للحل السياسي السوري. هل هناك تخوف من تنصل النظام من المعتقلين خاصة بعد إعدام الآلاف منهم، وهل هناك سمسرة دولية في الملف؟
بالتأكيد، ملف الاعتقال السياسي والخطف من أهم الملفات الواجب أن تشغل كل مناضل حقوقي وسياسي يطمح للتغيير في سوريا، وهو من أهم المسائل التي “غيبت” قسرا ومنذ اليوم الأول لثورة الشبيبة في درعا. وبكل صراحة وأمانة، فالمسؤولية فيه تقع أولا على الأجهزة الأمنية التي اعتمدت أسلوب الاعتقال الجماعي والعشوائي لكل من خرج سلميا لمقاومتها. لأن هؤلاء الشباب كان معظمهم “غير مؤرشف” في سجلات الأمن، والعدد الأكبر منهم يشارك أول مرة في حياته في حركة احتجاج بهذا الحجم. لذا كانت القاعدة عند القيادة الأمنية الاعتقال الكمي وفي ميدان التظاهر أو البيوت (في الليل). كان في قيادة هيئة التنسيق عددا من المعتقلين قضوا في السجون مجتمعين أكثر من 400 سنة من عمرهم كما أحصيت مع الفقيد حسين العودات، وكان عبد العزيز الخير آخر من خرج من السجن بعد 12 عاما ويعرف هذا الملف جيدا، فحتى اليوم لدي قوائم أرسلها لنا في التسعينيات من سجن صيدنايا بخط يده، مدققة وموثقة. بالنسبة لمعارضة الخارج، لم يكن هذا الملف مركزيا، باعتبار معظمهم من المنفيين الطوعيين بعد مجزرة حماه في 1982. وقد اعتمدوا لفترة على وساطة مفتي قطر يوسف القرضاوي للإفراج عن الإسلاميين المعتقلين. أما من التحق بالمعارضة من المنشقين السياسيين فكانوا في الأشهر الأولى للثورة جزءا من السياسة الأمنية للنظام. هل من الضروري التذكير أن رياض حجاب كان رئيس اللجنة الأمنية في محافظة اللاذقية وكان شريكا في قرار اعتقال شبيبة في بانياس وعلى علم باعتقال أخي الشهيد معن العودات مرتين من القوى الجوية واعتقالات داريا ودوما؟ وعندما كان رئيسا للوزراء أصدر قرارا بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لأهم رجال الأعمال الذين وقفوا مع الثورة؟ كيف يمكن لشخص كهذا أن يقول: ملف الاعتقال السياسي فوق التفاوض وقبل التفاوض، ومن واجب الأمين العام للأمم المتحدة وضع حد له في الأشهر الستة الأولى لصدور القرار 2254؟
كما روى الأستاذ خليل بدلة، ومنذ حمل السلاح في إدلب، دخلت ممارسات الخطف السياسي وخطف العصابات لمحافظة إدلب بشكل “يشعر المرء بالخزي والعار”، ومنذ بدأت هذه الممارسات في صفوف المعارضة المسلحة، تحولت قضية الخطف والاعتقال إلى سوق المساومات السياسية والفديات، وقد وجدت الأجهزة الأمنية في ذلك مصدرا هاما للإثراء فقلدته على نطاق واسع. ومن المؤسف أن من سمي “شيخ الحقوقيين” قال على قناة صفا: “الخطف موجود في اتفاقيات جنيف ومجرّب”. من جانبها وللأسف، تحولت معظم التنظيمات السورية الصغيرة لحقوق الإنسان إلى العمل السياسي، بل ووقف بعضها ضد مطالب كوفي عنان الستة التي تشمل الإفراج عن المعتقلين السياسين، وبعضها الآخر أطلق على “بيان جنيف” اسم (بيان لافروف)!!. على صعيد الدول، كان المشرف الفعلي على الجماعات الموالية لإيران في سوريا الجنرال قاسم سليماني الذي لعب دورا مركزيا في إحباط الثورة الخضراء في إيران. وكان يعتبر أن “القضاء على أي تمرد يكون بتصنيف المتمردين بين معتقل ومقتول والإقامة الجبرية”. روسيا الاتحادية نادرا ما تدخلت في ملف المعتقلين (عشرات من أصل مئات الآلاف الذين دخلوا المعتقلات في السنين 12 الأخيرة)، وكل الضمانات التي قدمتها لسلامة عبد العزيز الخير وخليل معتوق لم تلتزم بها يوما. وكانت تتذرع دائما بأن هذا الموضوع قرار سيادي سوري (كذا!!) أما الدول الغربية، فاكتفت ببيانات شجب واستنكار. لم يهتم الائتلاف السوري بملف المعتقلين كما يجب، وقد قلت لأحمد الجربا في 10 ديسمبر 2013، في القاهرة: 23 وزير خارجية من دول العالم ثبتوا حضورهم في مؤتمر جنيف 2، إذا اشترطت كل أطراف المعارضة السورية لحضور الاجتماع تحقيق إجراءات بناء الثقة قبل بدء المفاوضات، ستجبر الدول المشاركة على تبني مطلبها، كان جوابه الساذج: “وماذا يضمن أنكم ستذهبون مكان الإئتلاف إذا رفضوا الطلب؟”. (السهرة سجلتها للتوثيق). هل تريدين تفصيلات أكثر، عن جريمة تغييب ملف المعتقلين والمفقودين عن أولويات نضال المعارضة وصدارة مناقشات الحل السياسي؟؟؟
- مع الحديث عن إمكانية انعقاد جلسة للجنة الدّستورية في مسقط، ماذا يمكن ان تقدم للسوريين، وهل يمكن اعتبار استكمال كتابة دستور باباً للحل السياسي؟
- أود العودة لبداية القصة، اللجنة الدستورية هي الفقرة الأخيرة من قرارات مؤتمر سوتشي. وقد سبقها إجراءات أساسية منها “بناء جيش وطني” غير مؤدلج وغير عقائدي. وعندما اختزل عمل المبعوث الدولي باللجنة الدستورية، انسحب تيار قمح (قيم، مواطنة، حقوق) من النقاشات. وكذلك كان موقف “المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار” عند ميلاده. وتولت الهيئة التفاوضية مهمة تشكيل وفد المعارضة وديميستورا وفد المجتمع المدني. كان ذلك فرصة للسلطات السورية لكسب الوقت، هل سمعت في حياتك بلجنة دستورية تمضي سنوات دون إقرار مسودة نص دستوري؟ لقد قلت للسيد بيدرسون بعد حديثه عن “الخطوة خطوة” وفي اجتماع عام قرب جنيف: “إذا لم تكن العودة للقرار 2254 جدية وشاملة والزامية وملزمة، فكل ما تقومون به هو تضييع للوقت، ومن أجل سمعتك من الأفضل الاستقالة”. حتى الوفد التفاوضي اليوم، ليس له قوة تمثيلية أو اعتبارية في سوريا، وأغلبيته تحت سلطان أنقرة، كيف يمكن أن ننتظر منه مثلا، موقفا في ملف المعتقلين أو اللاجئين؟
- كيف يمكن الضغط الدولي في اتجاه تنفيذ القرارات الدولية وخاصة القرار2254، خاصة بعد سلسلة من اللقاءات والمبادرات التي لم تلق طريقها للحل؟
- الظروف الدولية والحرب الأوكرانية الروسية عقدت الأمور بين الدول الدائمة العضوية الخمس في الأمم المتحدة، لكن ذلك لا يمنع الأمين العام من الدعوة لاجتماع خاص بالقرار 2254 يعيد النظر في تجربة السنوات السابقة الفاشلة، بحضور ما سمي في فيينا، المجموعة الدولية لدعم سوريا (ISSG) ووضع خارطة طريق مرفقة بالإلزام والالتزام من مختلف الأطراف بالسير عليه، هذا إذا لم يكن في رأس مجلس الأمن، إضافة قائمة القرارات التي فشل في تطبيقها في مختلف دول العالم.
مقابلة الدكتور هيثم مناع مع المرصد السوري لحقوق الإنسان
نشرفي موقع المرصد السوري لحقوق الإنسان