الأصدقاء الأعزاء كنت أتمنى أن أكون معكم، ولكن لأسباب اضطرارية بقيت في باريس.
تأتي ملفات الإبعاد والمحاكمة والملاحقة لتذكرنا بأزمة عميقة يعيشها القضاء الإسباني الذي حقق نقلة كبيرة منذ الحقبة الفرانكية، لكنه ما زال يحمل تراثا صعبا وثقيلا، ولم يكن للعنف السياسي في البلاد، أن يساعد على النقلة الضرورية التي تسمح بتحديد دور المحكمة الوطنية وتهميش البعد السياسي للقضاء لحساب إقامة العدالة واحترام الالتزامات الأوربية والدولية لحقوق الإنسان، وليس فقط الاتفاقيات الأوربية التي تحدد أو تقيد من هذه الحقوق.
خلال ثلاث أعوام عشنا هذه التجربة عبر متابعة ما يعرف في الإعلام الإسباني بالخلية الإسبانية السورية للقاعدة، أكبر فياسكو أوربي منذ 11 سبتمبر 2001. وكون غارثون قد اشتاق للأضواء بعد أن ابتعدت ظلال قضية بينوشيه، فقد خرج من الباب الخلفي للتاريخ بعد أن دخله من بابه الواسع في قضية الدكتاتور التشيلي. بدأنا بلائحة اتهام تشمل ابن لادن والظواهري وتيسير علوني. أليس من المضحك أن ينافس المدعي العام الإسباني المدعي العام الأمريكي في مذكرة جلب لابن لادن قبل أحداث مارس في مدريد؟
عندها اكتشفت الخلل الكبير في قوانين مناهضة الإرهاب وما يسمى بالأوديانس ناسيونال. وشعرت بأن علينا احضار عشرة أو أكثر من المراقبين الدوليين لتحجيم الخسائر، لأن كذبة بدأت بهذه الضخامة يصعب على المؤسسة السياسية والقضائية الاعتراف بها، خاصة إذا ما تعلق الأمر بمسلمين أوربيين في حقبة كل مسلم أوربي صار فيها موضوع ارتياب حتى يثبت العكس.
لكن هذه المأساة وللأسف نعيشها في أوربة وليس فقط إسبانيا في ظل ما يسمى بالحرب على الإرهاب. أسامة أيوب لاجئ سياسي مصري كان أحد رواد وقف العنف في مصر، وحصل على اللجوء في ألمانيا، ثم بدأت عجلة حرق الحقوق تناله في شخصه ووضعه القانوني وعمله ليحاصر فيسحب منه اللجوء السياسي ويفرض عليه إقامة جبرية ثم يتقرر تسليمه لبلاده رغم الحادثة البائسة التي وقعت في إيطاليا التي سلمت لاجئا سياسيا لمصر واضطرت للمطالبة بعودته. المولودي شعبان مثل تونسي لنفس امأساة وهو ينتظر الإبعاد في انتهاك واضح للقوانين الألمانية وتوقيع ألمانيا اتفاقية مناهضة التعذيب. الفلسطيني محمد عبد الله فقد اللجوء الإنساني وحق الحركة وعمله ومضطر لمراجعة مركز الشرطة يوميا.. وتأتي قصة رئيس الاتحادية الدولية للشطرنج بالمراسلة ومؤلف “وقائع سنوات الدم في الجزائر” العقيد السابق لحبيب محمد سمراوي لتذكرنا بأن الإبعاد ما زال ممكنا ولو لأشخاص معروف بأن حياتهم مهددة مباشرة وليس مجرد تخمينات، فالكل يعرف حجم الأحقاد بحقه في المؤسسة الأمنية والعسكرية الجزائرية.
أثناء كتابة هذه الكلمة كنت أقرأ “الاتفاقية الخاصة بالتعاون الحدودي خاصة من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة عبر الحدود والهجرة السرية”، فتذكرت أيام كانت تصدر فيها بروتوكولات ملحقة لتعزيز الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، اليوم، لم يعد هذا هو الحال، أصبحنا في حقبة الإبعاد القسري والسجون السرية والقوائم السوداء.. نحن في حقبة ارتداد على الحقوق والحريات، وتراجع سندفع جميعا ثمنه لفترة طويلة وعلى الصعيد العالمي.
لنكن معا، على طرفي المتوسط، من أجل كرامة الإنسان، من أجل وضع حد لمنطق “الحرب على الإرهاب”، فكلمة حرب هي الموقف الأكثر تطرفا، ولا يمكن الرد على التطرف بالتطرف وعلى انتهاك الحقوق الإنسانية بانتهاكها باسمها.
كلمة الدكتور هيثم مناع للمؤتمر الصحفي حول قرار تسليم معارض جزائري لبلاده
قضية سمراوي- مؤتمر صحفي لرشاد وعدد من المنظمات غير الحكومية في(مقر نقابة الصحافة في كاتلانيا) برشلونة 30/11/2007