مارس 14, 2024

هل يوجد حاضنة لمشروع الدولة الديمقراطية في سوريا ؟؟؟

هل يوجد حاضنة لمشروع الدولة الديمقراطية في سوريا ؟؟؟
مداخلة هيثم مناع في ندوة الخميس التي نظتمها اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار (09/07/2020)
في الثامن من آذار 2011، أطلقنا (خلدون الأسود، ماجد حبو، ناصر الغزالي وهيثم مناع) “بيان من أجل التغيير”. جاء فيه : “مع انتقال المنطقة إلى حالة ثورية عامة، لم يعد هناك أي مبرر لأن تكون أية شرعية كانت فوق الشرعية المستمدة من اختيار الشعب الحر. أي شرعية الوطن والمواطن. إن التغيير الديمقراطي هو السد الأقوى في وجه التدخلات الغربية والتوسع الصهيوني وهو الرد الوطني على كل التحديات. إن سيادة الشعب وحريته وكرامته تشكل اليوم الشرط الواجب الوجوب لاستعادة الجولان والحقوق الفلسطينية وبناء غد أفضل لشبابنا وأطفالنا.
لا بد للخروج من حالة الاستعصاء السلطوية من قرارات عاجلة أهمها:
رفع حالة الطوارئ والغاء محكمة أمن الدولة والقضاء الاستثنائي
دمقرطة الدستور ليستجيب لحقبة الثورة العربية الديمقراطية التي نعيشها
الدعوة لمؤتمر وطني جامع يضع أسس الانتقال من دولة التسلط إلى الدولة الديمقراطية ومجتمع المواطنة الكاملة للجميع.
بعد أيام عشرة وتوزيع واسع لهذا البيان في محافظة درعا انطلقت انتفاضة الكرامة والحرية في 18/03/2011.
نظمنا منذ ذلك الحين مع الوطن بالسكايب وفي عواصم أوربية عدة ندوات عديدة حول المقاومة المدنية من أجل التغيير السلمي وبناء الدولة المدنية وأسباب رفضنا خطابات صبيانية طالبت بتدخل الناتو حينا أو مذهبة الصراع وحمل السلاح لإسقاط النظام. وقد كتبت في شهر تموز مقالتين واحدة للموند ديبلوماتيك العربية (الربيع السوري والثورة المضادة) والثانية للجزيرة.نت (الدولة والثورة في سوريا) عندما استشعرنا خطر اغتيال الحراك الثوري الشعبي من الداخل والخارج. وقد رد موقع الإخوان المسلمين وإسلام اون لاين، بمقال باسم مستعار يتحدث عن “عهد الصلح الغربي الإسلامي” وضرورة استبدال اللاءات الثلاث بثلاث “نعم” للطائفية والجهاد والتدخل الخارجي. وبدأ التحريض على التيار المدني السلمي ونُعت بكل ما يشوهه تكفيرا وتخوينا. للأسف دخل قطاع كنا نظنه من المعسكر الديمقراطي، في هذه اللعبة ولعب دور ورقة التوت التي تغطي بؤس المشروع الظلامي مع التركي والغربي والخليجي الذين مولوا ودفعوا إعلاميا وسياسيا بمشروع هلامي لا علاقة له إلا في الشكل، مع مطالب الشعب في التغيير.
لا يتم التغيير ولم يحدث يوما في هذا العالم، بالإكتفاء بتغيير العلم أو أشخاص، واستبدال ملايين الجماهير المطالبة بالحرية والكرامة بالميليشيات الجهادية الغريبة عن تكوين المجتمع السوري وثقافاته… التغيير هو حالة انتقال من نمط حكم مات في القلوب وفي العقول إلى شكل أرقى تسوده المؤسسات المختارة من الشعب لفضائي الدولة والمجتمع. يوم تحدث تلميذ أبو القعقاع الأمني، السيد أحمد حسين الشرع (الجولاني) عن طبيعة الصراع في سوريا قال للإخواني أحمد منصور الذي سماه بالفاتح: الحرب في سوريا مذهبية. ومن يقرر شكل الحكم فيها عند انتصار المجاهدين هم “أهل الحل والعقد”؟ فهل خرج شباب درعا من أجل استبدال الدولة التسلطية بدولة قرون وسطية شمولية؟ أم صرخوا في الساحات: الشعب السوري واحد؟
هل استشهد رواد المقاومة المدنية السورية من أجل “الدولة الإسلامية البغدادية”؟ أو “إمارة الظواهري والمحيسني في بلاد الشام”؟ والجميع يذكر من كان مفتي جيش الفتح الذي دخل إدلب وأين تكوّن ومن هي قيادته؟ فأي محرر نرى فيه الإيغور في منازل المسيحيين والدروز في محافظة إدلب؟ وأية حرية وسجون هتش فاقت أحد عشر مسلخا فيها فظائع لا نرى مثيلا لها إلا في أقبية جميل حسن والمخابرات الجوية؟
لم يغتل المشروع الظلامي الحراك المدني السلمي وحسب، بل فتت التيارات الديمقراطية التي حمل بعضها الكلاشنكوف مع العدناني وأشاد بعضها الآخر بإنسانية النصرة، وسادت موضوعة “دافعنا عن النصرة أكثر مما دافعت عن نفسها”، وانخرط آخرون في مشروع “الديمقراطية الحمدية ثم البندرية”.. الأمر الذي شكك الإنسان العادي بكل أحاديثهم عن الديمقراطية.. لنصل اليوم إلى ثلاث جبهات متماسكة وتيار وطني ديمقراطي مقطع الأوصال:
– جبهة “وحدات حماية الشعب” التي تطرح مشروعا إيديولوجيا بديلا لإيديولوجية البعث والإسلاميين. من الجدير بالذكر أن هذه الوحدات تعتبر الثورة بدأت يوم تشكلها.. وأن هذا التشكل سبق قيام داعش؟؟
– جبهة السلطة التي تطرح استمرار الدولة التسلطية مع أدوات التجميل الشكلية التي تجعلها أكثر قبولا بعد ما ارتكبت من جرائم مروعة.
– جبهة الإسلامويين، من جهاديين وإخوان، والتي لم تتحرر من منطق الدولة الشمولية مع مجمّلات أردوغانية.
والجبهات الثلاث تقوم على “ذراعها المسلح” وفرض سياسة الأمر الواقع حيث تواجدت.
لقد دفع الشعب السوري أكبر فاتورة دفعها شعب في الأزمنة المعاصرة. لم يدفعها ليطرح الخيار عليه بين دولة تسلطية أو دولة شمولية؟ لم نر في المظاهرات صورة صنم أو شعار إيديولوجي؟ العنف المسلح هو الذي فرض صورا لشخصيات غير سورية في الشوارع وشعارات تكفر الديمقراطية…
اليوم، يسعى جمع من الوطنيين المستقلين عن أية إرادة خارجية، لتحجيم المستطاع من الخسائر وإعادة بناء القوة الوطنية الديمقراطية الضرورية لاستمرار سوريا دولة وشعبا دون تقسيم أو تجزئة، وبناء الدولة المدنية الدستورية، والمجتمع المدني السوري ومأسسة البنيات الديمقراطية الضرورية لبناء مستقبل مشرق لبلدنا.
لا يمكن الخروج من سرطانات الحقبة السابقة، وإعادة بناء المناعة الذاتية للسوريين دون اعتبار الوطنية السورية نقطة انطلاق، والرفض الثابت والواضح للدولتين التسلطية والشمولية، كمرجع دستوري وسياسي ومدني في المنطلقات الأساسية للمشروع الوطني. فمنذ أكثر من قرن من الزمن، ثمة ثلاثة نماذج أساسية للدولة: الدولة التسلطية، الدولة الشمولية والدولة الديمقراطية.. هذه النماذج تساقط منها ضمن نضالات الشعوب من أجل الحرية والكرامة في مختلف القارات والثقافات الأنموذج التسلطي والأنموذج الشمولي. فهل يليق بالإنسان السوري بعد كل ما قدم من تضحيات أن يخنق أمله المستقبلي في أحد إنموذجين ثبت فشلهما في كل مكان؟

لذا لا تستغربوا أن يخوض الإسلاميون والمؤدلجون من العلمانيين حربا ضد هذا المؤتمر الذي ينصب نفسه فوق هذه الإيديولوجيات التي تجاوزها الزمن. ولكنهم لن يجرؤوا على القول نحن ضد هذا المؤتمر لأنه يعتبر الفضاء السياسي خارج القداسة، ويعتبر النضال الوطني مطلبا للمجتمع بكل مكوناته، ولأنه فوق الإيديولوجيات ويعتبرها انتماءات فرعية في وقت تحتاج فيه سوريا إلى تحديد انتمائها الوطني والمواطني الجامع، وسيحاولون البحث عن نفس الوسائل البالية في مهاجمته.