سبتمبر 08, 2024

اللاجئون العراقيون

Iraqi refugeesوقف مقرر لجنة حقوق الإنسان في العراق تحت حكم صدام حسين يتحدث عن اللاجئين العراقيين ليذكر أن المعارضة العراقية تتحدث عن أربعة ملايين عراقي في أصقاع الأرض. قلت له أن السلطة والمعارضة في العراق مصابان بداء المبالغة، وأن عليه التحقق من أي رقم يقدم له. من مهازل القدر أن من أولى قرارات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بعد الاحتلال إنهاء مهمة السيد المقرر. الحجة في ذلك، أن “قوات التحالف قد وضعت حدا للدكتاتورية ولم تعد مهمة المقرر ضرورية” !

طبعا، واحدة من عناصر التعبئة للإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية ضد النظام العراقي السابق، قبيل الحرب على العراق، كان رقم “أربعة ملايين لاجئ عراقي”. وعندما ذهبت إلى العراق بعد الاحتلال في مهمة تحقيق سألت مساعد بريمر: ماذا ستفعلون بالنسبة للاجئين؟ فكان جوابه يعبر عن مدى فهم الأمريكي لأوضاع العراق: “الحدود مفتوحة ويستطيعون العودة”.

بعد أشهر صدر قرار من الوزيرة المكلفة بملف اللاجئين (وكانت يومها زوجة رئيس الجمهورية الياور) تطلب من اللاجئين عدم العودة لأن هذه العودة ستخلق مشكلات اقتصادية واجتماعية لا تستطيع حكومة ظل الاحتلال مواجهتها. بعد ذلك بعام ونيف بدأت عملية الهجرة الداخلية واللجوء إلى دول الجوار بشكل واسع. بالتأكيد لم يكن السبب واحدا، ومن التجني تحميل مسؤولية ما يحدث لطرف واحد، جماعات مسلحة موالية أو مناهضة، محتل أو مقاوم، ميليشيا أو بيشمركة. الأسباب متعددة، ولكن في القانون الدولي المسؤولية واحدة: قوات الاحتلال، باعتبارها القوة المنظمة الأكبر في البلاد بعد حل الجيش العراقي. وهي بالتالي مسؤولة قانونيا وأخلاقيا عن أمن وحماية السكان المدنيين والحؤول دون أي تغيير مؤقت أو دائم في الخارطة الديمغرافية.

في دورة تدريبية لكوادر حقوقية عراقية جرت في عمان العام الماضي، تم الاتفاق على توجيه رسالة إلى كوفي عنان ومجلس الأمن. ذلك لمواجهة كارثة في صدد التشكل، اسمها لجوء عشرات آلاف العراقيين لدول الجوار، وعمليات “تنظيف” طائفي وقومي تجري داخل العراق. وهي ستقضي على احتمالات بناء سلم أهلي في هذا البلد، وتحول الإنسان العراقي من المكون الأساسي لإعادة البناء إلى عنصر هشاشة إقليمية وعراقية. الأمر الذي يجعل من العنف العنصر الأقوى داخل العراق، واليأس السمة الأبرز لوجود العراقيين في الخارج. طبعا لا كوفي عنان أجاب ولا مجلس الأمن تنفس، فأكثر من مليوني لاجئ عراقي لا يعادلون عند إدارة الرئيس الأمريكي اتفاقية بيع سلاح أو تفريخ محاسبات وعقوبات أمريكية أو دولية حسب الطلب! ويبدو أن مجلس الأمن اليوم يحترم قول الشاعر:

                          قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر    وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر

وفق تقدير حسابي قدمه خبير في اتفاقية النفط مقابل الغذاء يمكن بأكثر من مليار دولار بقليل تأمين سلة غذائية أو ما يعادل قيمتها لكل لاجئ عراقي وضمان صحي كامل وإمكانية تجهيز مدارس مؤقتة في منازل مستأجرة أو استعمال المدارس السورية والأردنية بعد أوقات الدوام العادية، وذلك لعامين دراسيين. بمعنى أنه يمكن تأمين ثلاثة حقوق ضرورية لكرامة الإنسان ولإبعاد حدوث تراجيديا متعددة الأشكال. خاصة أننا في مدن وقرى سورية وأردنية ليست في بحبوحة اقتصادية، وهي مثقلة باللاجئين السوريين والفلسطينيين ويمكن للاحتكاك المباشر مع الناس أن يحول الهشاشة الذاتية للجماعة المستضعفة إلى هشاشة عامة. مع مترتبات ذلك من شعور بالكره أو بأحسن الأحوال عدم التعاطف من قبل المجتمع المضيف، رغم كل القيم والعادات العربية والإسلامية التي تؤكد على استضافة اللاجئ وتجعلها واجبا إنسانيا ودينيا.

طبعا “استنفرت” الإدارة الأمريكية للمشاركة في حل المشكلة: أول عنصر في تدخلها هو عدم التطرق لأية مسؤولية سياسية أو إنسانية للاحتلال. والثاني الإعلان عن قبول سبعة آلاف لاجئ عراقي. وقد أصدرت حتى اليوم موافقتها على دخول 133 عراقي الأراضي الأمريكية، وتعد بأن يصل العدد إلى 2000 في نهاية العام وتحقيق خطة الطريق لسبعة آلاف لاجئ في نهاية ولاية الرئيس الأمريكي والآنسة رايس (كذا)!!

ما أسوأ من تنصل قوات الاحتلال إلا مواقف حكومة المالكي، (أكثر من ثلثي أعضائها من اللاجئين الذين تضامنا معهم يوم كانوا في المنفى). فقد أعطت المثل السئ بالتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في العراق. وإن تذرعت الأطراف الموالية للاحتلال بدور وهمي لهؤلاء في دعم حكومة البعث، ماذا تقول في المعاملة اللا إنسانية والمشينة لقرابة ألف كردي سوري لجئوا إلى كردستان العراق في حفلة “بروباغندا التحرير” ؟

حكومة تحت الاحتلال تتمتع بامتياز واحد هو تصنيفها من قبل المحتل لجواره في معسكر الخير. أي مشاركتها في مناهضة معسكر الشر الإرهابي. ومن الوهم التصور أنها قادرة على تحديد المسؤولية أو المبادرة لحل المشكلات في أي جرم أو موضوع. من واجبها أن تقنع الناس بأن الإرهاب هو المسؤول الوحيد عن التفجير والتهجير. هو من يحطم قبب الجوامع والحسينيات، ومن يقتل السنة والشيعة والتركمان والكورد. الإرهاب هو من يحول دون بناء العراق، ويمنع المؤسسات الديمقراطية من العمل والمؤسسات الاقتصادية من الانتقال بالعراق إلى جنة الشرق الأوسط الجديد.

لكن إلى متى يمكن للرأي العام الغربي أن يصدق أن الإرهاب هو الذي يسرق المليارات وهو الذي يعذب في أقبية وزارة الداخلية ويبني فرق الموت شبه الرسمية؟ وهل بعد كل التحطيم والقتل والتهجير والتشريد الذي أصلته سنوات الاحتلال، بقي لدى الإنسان العراقي ما يخسره، إذا ما فعل كل ما بوسعه ليرى مجتمعا عراقيا بدون هذه القوات التي جعلت من الغباء والوحشية صنوين لعنجهية القوة ؟

——————————

 صحيفة البديل المصرية

09/08/2007