النص الكامل لحديث خاص أجراه الصحفي أسامة آغي لموقع “عنب بلدي”
س1- كان لكم زاوية رؤية في أحداث الثورة السورية التي تفجرت عام 2011م. نريد تقييمك المكثف للأسباب التي أوصلت الثورة إلى وضعها الحالي سياسياً جماهيرياً على المستويين الداخلي والخارجي.
- خلق الحراك الشعبي في تونس ومصر والبحرين واليمن في مطلع 2011 وضعا ثوريا عاما في المنطقة، وكان من الصعب على تجمع المصالح الأمني-العسكري الحاكم في دمشق فك شيفرة هذه الحالة الثورية أو عزل الشعب السوري عنها. انطلق الشبيبة في درعا لإعلان أن سوريا جزء من هذه الحالة وأن مستقبل سوريا لا يمكن أن يكون خارج مفهومي الكرامة والحرية. من الضروري التذكير بأن هذه الإنطلاقة السلمية من خارج المدن الكبيرة قد شكلت أول كسر في التاريخ لقاعدة عرفها البشر في القارات الخمس منذ الأبجدية الأولى. فثورات الريف عموما ودون استثناء مسلحة. ولأول مرة نجد في بلدات مثل جاسم ودرعا ونوى وصيدا وطفس تظاهرات سلمية، بل أذكر أن شقيقي الشهيد معن العودات قد أعد بعد إطلاق الرصاص على المتظاهرين العزل قمصان (تي شرت) كتب عليها: “سلمية ولو قتلوا كل يوم مية”. هذه الحالة الثورية المدنية أفقدت السلطة الأمنية صوابها وظهرت أمام العالم عاجزة عن فك شيفرة الشبيبة الثورية التي في معظمها لم تكن قد شاركت في إضراب أو مظاهرة أو توزيع منشور في ظل النظام التسلطي الدكتاتوري.
لم نكن تفاؤليين عندما قلنا بأن الثورة السلمية المدنية لن تسقط فحسب الدكتاتورية في دمشق بل ستترك أثرها الإيجابي على كل دول المنطقة. قلناها ونحن ندرك كل مخاطر الإغتيال من الداخل والخارج، لذا حذرنا منها وكان شعارنا منذ نيسان 2011: لا للدكتاتورية ولاءات ثلاث أساسية معها: لا للعنف، لا للطائفية ولا للتدخل الخارجي. ولنقولها بأمانة اليوم: كل الدول التي سمت نفسها صديقة للشعب السوري كانت ضد هذا البرنامج. فهي حريصة على أن يكون لها كلمة في تقرير مصيرنا (تدخل خارجي)، ومولعة بالأنموذج الليبي، وتعتقد بأن التعبئة المذهبية ضد نظام طائفي هي أفضل الوسائل لإسقاطه. الحركات الإسلامية السياسية السورية لم تتحرر من تجربة الطليعة المقاتلة في 78-1982، ولم يكن من الصعب على “السلفية الجهادية” أن تحول سوريا من أرض عبور (للعراق) إلى أرض ثغور لتحرير بلاد الشام. وبهذا جرى تحويل مسار الثورة إلى غير أهدافها وأدواتها الأساسية، المال والإعلام الخليجي تكفل بالباقي.
س2- النظام لا تسمح له بنيته الاستبدادية المغلقة على القبول بتقديم تنازلات في إيجاد حل سياسي. هل لا يزال هناك امكانية لدى النظام ومن يدعمه على إعادة انتاج هذا النموذج من الحكم؟ إذا كان جوابكم بالنفي كيف يمكن كسر حلقة تصلب النظام وإجباره على القبول بحل سياسي وفق القرار 2254
- لا يتكرر التاريخ إلا مأساة أو مهزلة. لقد مات النظام السياسي الأسدي في القلوب وفي العقول، وإحدى مشاكلنا الجوهرية اليوم، هي خطأ التقدير والفهم لوضع المجموعة الأمنية الحاكمة في دمشق. هي تتحدث عن انتصارات، ولكن سلوكها اليوم يدل على حالة هلع وخوف دائمين. لنأخذ مثل الغوطة ودرعا، يأتيك المواطن طوعا ليوقع على تسوية وضعه والعودة لحياة “طبيعية” وبضمانات “روسية”. يلتحق بالجيش حينا وبعمله القديم حينا آخر. فتأتي دورية من المخابرات الجوية لاعتقاله والتحقيق معه تحت التعذيب الذي أودى بحياة عدد هام من المعتقلين. في التحليل النفسي تسمى هذه الحالة حالة انعدام التوازن، وليس انعدام الثقة بالنفس فقط. نحن أمام كائنات باثولوجية تخاف من الناس ومن المجتمع. هذه الحالة لا يمكن لا للروسي ولا الإيراني أو التركي معالجتها. لا بد للعناصر الأكثر وطنية والأقل إصابة بهذا المرض ممن يصنف بالموالاة التحرر من فكرة أن السفينة ستغرق بالجميع إن سقط النظام، وأن تمد يدها للمجتمع الأهلي والسياسي والمدني من أجل وضع نهاية لهذا الحالة. وفي الجيش ومؤسسات الدولة من يدرك ذلك، لذا نجد حالة ذعر في الأجهزة الأمنية وخوف من الجميع. ونجد مماطلات في المواجهة مع هتش باعتبارها آخر محرمة كلينكس في الحرب على الإرهاب وبمجرد انتهاء هذه الورقة، لا يوجد سوى الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة.
س3- بشفافية، كيف تشرح للجمهور الوضع الحقيقي للمعارضة المؤسساتية ( ائتلاف – حكومة مؤقتة – هيئة تفاوض) وما امكانية ولادة بديل سوري حقيقي بدلاً من هذه المعارضات التي لم تستطع قيادة المرحلة؟
- أنا من حيث المبدأ ضد أي إعلان سيادي من جانب واحد، منذ هيتو وميتو و”انتخابات النظام”، إلى إعلان فدرالية قسد. عندما نتبنى القرارات الأممية علينا احترامها، أما بالنسبة للإئتلاف فقد قلت في نهاية 2012 أنه ولد في حالة إعاقة دائمة. عندما ينطلق الإئتلاف تحت شعار لا تفاوض ولا حوار هذا يعني أنه مؤسسة غير سياسية لأن السياسة بدون تفاوض ولا حوار تعني إما إعطاء فتاوى في الحيض والنفاس أو البندقية… قلت لروبرت فورد منذ البدء: كل الحقن الدبلوماسية والمالية لا تعالج الإيدز، أي مرض نقص المناعة الذاتية. لكن نشوة اجتماع الدوحة أعمت البصائر. وما زلنا ندفع الثمن. أما “هيئة التفاوض” فمنذ اجتماع الرياض 1 كان ثمة رفض لوجود وطني ديمقراطي وازن، ثم قصقصة أجنحة ضمن الصراعات البينية في الخليج، ثم ضربة قاضية مع المواجهة السعودية-التركية. كان إضعاف التمثيل الوطني المستقل القاسم المشترك الأعلى لكل الدول المؤثرة، لذا انتهت الهيئة عندما “تهاوشوا” باستعارة تعبير حمد بن جاسم.
س4-هل تعتقد باقتراب تشكل ظروف الحل السياسي الدولي في سوريا؟ وهل سيلعب قانون سيزر دوراً في هذا الحل؟ وهل تعتقد أن هذا الحل يفترض خروج كل القوى العسكرية الغريبة من سوريا؟ وهل ذلك يحتاج لعقد مؤتمر دولي؟.
- ظروف الحل السياسي تتراكم ضمن قانون الحفاظ على البقاء، ولكنها حتى اليوم ليست كافية. لا يوجد استراتيجية غربية للسلام في سوريا، وكل تصرفات الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة آنية وموضعية أو رد فعلية وتفتقد الرؤية الشاملة. روسيا أيضا تعمل بالقطعة، الإيراني يتخبط والسياسة التركية تنطلق من المصالح التركية المباشرة ومخاطر الوضع السوري على الأمن القومي التركي… من هنا ضرورة عقد مؤتمر دولي حول سوريا، ما يمكن تسميته فيينا 3 لكن موسع وبحضور أطراف سورية هامة.
س5- حضرتك أحد أعضاء اللجنة التحضيرية لعقد مؤتمر وطني سوري مستقل . هل تعتقد أن الدول الكبرى ستقبل التعامل مع نتائج هذا المؤتمر مع حفاظه على استقلاليته النسبية؟ وهل سيشكل المؤتمر حاضنة للقرار الوطني السوري المستقل والذي يرفض تقديم تنازلات بشأن انتقال سياسي جدي في البلاد بموجب القرار 2254 ؟ كيف تقرأون ذلك؟
- لا يمكن السير قدما في تطبيق جدي لبيان جنيف والقرار 2254 دون وجود جسم حواري سوري مستقل وقوي، هكذا قال لنا “بيان جنيف” وقرارات الأمم المتحدة ومخرجات فيينا. ليس لدينا أوهام حول دعم دولي كبير لهكذا مؤتمر… لكننا نقول لكل الأطراف المتدخلة في سوريا: أنتم تقولون ليلا نهارا أن الحل في سوريا للسوريين وبيد السوريين، اتركوا الفرصة لنا مرة لنجتمع ونضع تصورنا للخلاص ونناضل من أجله بدون دولارات ولا خواجات ولا موبايلات. لقد دفع الشعب السوري ثمنا باهظا للحروب بالوكالة وسياسات المحاور. من حق السوريين أن يكون لهم محورهم الخاص، محور سوري سوري. التعصب لسوريتنا وسيادتنا واستقلال قرارنا شرط واجب الوجوب للخلاص، شرط لا يشبع شعوركم الباطن باستعمار قراراتنا، ولكن على المدى البعيد سيعود على كل شعوب المنطقة بالفائدة. لا يمكن تصور انتقال سياسي في سوريا لا يتضمن الاستقلال الأول (برمجة خروج كل القوات غير السورية من البلاد) والاستقلال الثاني (بناء دولة ديمقراطية مواطنية حديثة).
الدكتور هيثم مناع: من مواليد درعا، درس الطب والعلوم الاجتماعية والقانون، شغل مواقع نضالية حقوقية دولية منها نائب رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان حتى نوفمبر 1997. انتخب رئيسا للمكتب الدولي للجمعيات الإنسانية والخيرية في 2004 أحد مؤسسي اللجنة العربية لحقوق الإنسان والمتحدث باسمها حتى سبتمبر 2011 ومنسق التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب (العدالة من أجل السلام) ورئيس المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان. استقال من هيئة التنسيق وكان نائب المنسق العام ورفض دعوة ديميستورا للمشاركة في مفاوضات جنيف ودعوة موسكو لمنتدى موسكو كذلك دعوة السعودية للمشاركة في مؤتمر الرياض ومن منصة القاهرة بعد أن كان المبادر لعقد مؤتمر القاهرة. مؤسس تيار قمح (قيم، مواطنة، حقوق)، استقال من رئاسة مجلس سوريا الديمقراطي عند إعلان الفدرالية من جانب واحد، عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري العام. له أكثر من خمسين كتابا خمسة منها حول سوريا (الدكتاتورية في مختلف تعبيراتها، ربيع المواطنة، خلافة داعش، جبهة النصرة، الأوجلانية) أحد مؤسسي مجلة “سؤال” الفكرية بالفرنسية في 1980، رئيس تحرير مجلة “مقاربات” ومحرر الموسوعة العالمية المختصرة: الإمعان في حقوق الإنسان من ثلاثة مجلدات.