- دكتور هيثم، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن تشكيل اللجنة الدستورية في سوريا، وقال وزير الخارجية الروسي لافروف أن هذا الإعلان يقع تطبيقا لقرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي والقرار 2254، ومن الواضح أن رئاسة مؤتمر سوتشي باستثناء شخصكم تعتبر هذا الإعلان نصرا للحل السياسي وبداية الخلاص في سوريا، هل لك أن تشرح لنا حيثيات موقفكم من اللجنة الدستورية؟
- أختي العزيزة، سأعود بك إلى بداية القصة، في يوليو/تموز 2012 كان هناك محاميان عن “بيان جنيف”، عبد العزيز الخير وهيثم مناع. وقد وقف “أصدقاء الشعب السوري”، وبشكل أساسي البريطاني والفرنسي والأمريكي، ضد تناول هذا الموضوع في مؤتمر المعارضة السورية يومئذ في القاهرة. طبعا صقور المجلس الوطني السوري وبعدهم الإعتلاف، كانوا ضد التفاوض والحوار كما نعلم. السلطات الأمنية السورية هي التي كانت ترتجف من الحل السياسي لأنه يتناولها مباشرة وبشكل واضح. كذلك التيارات الإخوانية والجهادية التي حملت ما أسميته يومها الأوهام الثلاث (تغيير موازين القوى العسكرية، الحصول على أسلحة نوعية، والنصر العسكري). بدأ تدمير البلاد عبر المواجهات العدمية العسكرية التي مزقت النسيج المجتمعي السوري ومؤسسات الدولة وجعلتنا نسقط في وحل المذهبية والتطرف والإرهاب والتدخل الخارجي. إلى أن أصبحت سوريا تشكل عبئا على من تدخل فيها. مفاوضات جنيف من ثاني جلساتها لم تكن تحمل أي أفق، فسعينا المستطاع لقرار من مجلس الأمن صدر بعد توافقات فيينا. الخارجية السعودية التي نظمت مؤتمري الرياض تدخلت بشكل بائس في تغييب قسم هام من المعارضة المستقلة، فقاطعنا مؤتمري الرياض. لأن أي اجتماع لقوى المعارضة لا يكون وازنا وتمثيليا هو تطبيق أعرج لبيان جنيف والقرار 2254. وبعد انسداد الطريق أمام تشكيلة الرياض التي خضعت في مؤتمرها الثاني لقص أجنحة جديد نجم عن الصراع بين دول الرباعية وقطر، طرح الرئيس بوتين فكرة مؤتمر للحوار الوطني. التقيت وفدا روسيا في جنيف وطرح الفكرة والتاريخ فقلت لهم المثل الإنجليزي If you like to do it do it well ولا تقعوا في أخطاء الآخرين. أخذتني ماريا خودنسكايا على جنب وقالت لي: “هم يتحدثون عن أمر من الرئيس ليس لهم صلاحية النقاش فيه”، فقلت لها: السيد بوتين رئيسكم وليس رئيسي، وقدمت اقتراحاتي وخرجت. اتصلت بالمبعوث الدولي السيد ديميستورا فحدد موعدا بكامل فريقه. فحدثتهم عن اقتراحاتي وما جرى، الأسترالي والألماني كانا متشائمين، أما ديميستورا فقال: أعطيت الجعفري النقاط الإثني عشر فوضعها في جيبه وصرح بأنه لم يقرأها؟ هل تظن بأن بالإمكان في مؤتمر في سوتشي وبأغلبية من الموالاة طرح هذه النقاط للنقاش؟ قلت له هذه معركة صعبة ولكن تستحق شرف المحاولة إذا وافق الروس على ما اقترحناه عليهم. بعد إسبوعين أعلمني الطرف الروسي بالموافقة على فكرة تأجيل الموعد وطلب مني مسودة لمخرجات المؤتمر من وجهة نظر تيارنا. إلا أن “معارضة الرياض” كانت تمر بأسوأ أوقاتها، تمزق هيئة التنسيق، ضغوط تركيا على ربيبتها الإئتلاف، وجود “رئيس” لا خبرة ولا كاريزما ولا تاريخ ولا جنس الطعمة، إبعاد من يعيش في الدوحة بعجره وبجره، من هنا أقنعهم موظف من الدرجة الثالثة (السفير الفرنسي جيليه) بمقاطعة سوتشي. وذهبنا لسوتشي بنفس المشكلة التي انتقدناها: معارضة لا تشكل تمثيلا واسعا للمجتمع. ومع ذلك، وبمعجزة ربانية، تمكنا من تثبيت بيان ختامي ينص على كل ما جاء في النقاط الإثني عشر. لدرجة أن وسائل إعلام السلطة السورية وإيران نشرت نصا آخر غير ذلك المقر على الموقع الرسمي للمؤتمر وموقع وزارة الخارجية الروسية.
- ما هي نقاط الخلاف بين القراءة الحكومية السورية وبيان سوتشي الحقيقي؟
-
هذه هي القضية كلها. نحن بصراحة قدمنا تنازلا للدول الداعية بتأجيل تناول فقرة تتعلق بجدولة خروج المقاتلين غير السوريين من أي بلد أتوا ولأي طرف انضموا، مقابل بقاء فقرة أساسية تتعلق ببناء الدولة السورية الجديدة هي: “بناء جيش وطني قوي وموحد يقوم على الكفاءة ويمارس واجباته وفقاً للدستور ولأعلى المعايير. وتتمثل مهامه في حماية الحدود الوطنية والسكان من التهديدات الخارجية ومن الإرهاب. وبناء مؤسسات أمنية ومخابرات تحفظ الأمن الوطني وتخضع لسيادة القانون وتعمل وفقا للدستور والقانون وتحترم حقوق الإنسان. وتكون ممارسة القوة إحتكاراً حصرياًّ لمؤسسات الدولة ذات الإختصاص“. فبالنسبة لنا، هذا البناء هو الطريق الوحيد لوضع حد للحل الأمني العسكري الذي أوصلنا لما نحن فيه. ولهذا اتصلنا بعدد كبير من الضباط الوطنيين المنشقين وعدد من متقاعدي الجيش ذوي الكفاءة والخبرة وطلبنا أن يجري اللقاء بهم من أجل تشكيل مجلس عسكري أعلى لتحقيق هذه الفقرة التي اعتبرناها الأهم في قرارات سوتشي بالتوازي مع نشاط المبعوث الدولي لتشكيل لجنة دستورية. لأن فصل الملفات يعني استمرار النظام القديم.
- وهل أعلمتم باقي أطراف المعارضة بذلك؟
- رغم الوضع الباثولوجي لمعارضة الرياض، طلبت من الدكتور خالد المحاميد إقناع نصر الحريري بالتعاون. وقد شرحت لنصر الحريري ضرورة الدفاع عن مخرجات سوتشي بشكل مشترك وقد صرح بذلك للإعلام، ولكن الله غالب، هناك من لم يفهم خطورة فصل السلال عن بعضها. وركز على موضوع اللجنة الدستورية وحجز مقعد فيها ولو كان طنبرجي لا علاقة له بالدستور ولا بمفهوم الدولة الديمقراطية… دخلت مجموعة الرياض في اللعبة بقراءة النظام السوري لها، مقابل تحويل بعض سماسرة السلاح والحرب والإرتزاق إلى “أعضاء في اللجنة الدستورية”… أما مصير ثمانية آلاف ضابط منشق وبناء جيش وطني وحتى فكرة أن أكثر من ثلث أعضاء اللجنة سيتابعون الاستفتاء على الدستور من خارج الأراضي السورية خشية من الإعتقال، وأن أي من إجراءات بناء الثقة من تلك المتعلقة باللاجئين إلى مصير المعتقلين والمفقودين لم يحدث، كل هذا لم يتوقف عنده جهابذة وفد الرياض؟
- لكن أليس من الجيد أن يخرج وفد الرياض للتفاوض من منطق المزاودات ويوافق على الموضوع؟
- بالنسبة لمنصة موسكو، يوجد انسجام داخلي في الأطروحات منذ مشاركة قدري جميل في الحكومة. منصة القاهرة سرقت من أصحابها كما تعلمون، والإئتلاف جثة لا تجد من يقبرها، أما ما بقي من هيئة التنسيق فلا أظن أنهم قادرين على إنجاح نائب واحد في انتخابات نيابية حرة. لذا كل شي بيطلع من الطبخة يؤكل ولو كانت حصو. وكل هؤلاء جزء من المعارضة، وليس المعارضة، و24 منهم قام بتسمية نفسه عضوا في اللجنة. بل هو يعتبر نفسه شريكا في هذا النصر الذي حققته السلطات السورية. الأيام العشرة الأخيرة أظهرت ضحالة أسماء كثيرة وقصر نظرها..
- وأنتم ماذا ستفعلون؟
- سنتابع بهدوء وحكمة، مع كل المعارضين الوطنيين الشرفاء، التحضير لمؤتمر وطني سوري جامع، يُخرج السوريين من صورة المفعول به مصلوب، إلى المشاركة في رسم معالم التغيير التي أقرتها الأمم المتحدة ولا يمكن اختزالها أو اختصارها من أي طرف كان. لا بد من قيام تجمع وطني كبير قادر على مواجهة مشروع استمرار العهد القديم بثياب جديدة.
لقاء خاص – كركدن.نت