مارس 29, 2024

من اجل إنجاح جنيف 2

geneve2بعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة عن تاريخ المؤتمر الدولي من أجل سورية (جنيف2) في 22 كانون الثاني (يناير) 2014. توصل الطرفان الراعيان يوم الجمعة 20/12/2013 إلى تثبيت هذا التاريخ بعد عام ونصف العام مضت على مؤتمر جنيف الأول. ثمانية عشر شهرا خسر الشعب السوري فيها أكثر من سبعين ألف ضحية إضافية وتهديم في البنية التحتية جاوزت كلفته 200 مليار دولار وزيادة في المشردين والنازحين واللاجئين قرابة 3 ملايين إنسان.

من الضروري تذكير كل قصير ذاكرة، بأن هيئة التنسيق الوطنية كانت أول من أيد إعلان جنيف وقدم ملاحظات نقدية على قرارات 30/6/2012 وطالبت بتداركها في جنيف 2. هناك أحزاب في الداخل انضمت للحكومة وأيدت حوارا وطنيا بين السوريين. ورفض المجلس الوطني السوري “إعلان جنيف” ولم يكن الائتلاف السوري قد تشكل بعد. واستبدلت السلطة السورية وأحزابها فكرة المؤتمر الدولي بنقاط رئاسية للحوار والمصالحة.

كنا في هيئة التنسيق الوطنية ومازلنا نرى أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الحرب القذرة التي تعيشها سورية على حساب الشعب والوطن ومشروع التغيير الديمقراطي. وقد أكدنا على ضرورة التمسك بالمؤتمر الدولي لأن القضية السورية لم تعد ملكا للسوريين فالمال والسلاح والمقاتلين غير السوريين هم الوقود الأساس لاستمرار العنف. ولا يمكن وقف هذا التدمير المنهجي للعباد والبلاد دون إغلاق منابع العنف وإبعاد كل المقاتلين غير السوريين ووقف عبور السلاح لأي طرف كان، وفتح الطريق لعبور الغذاء والدواء لكل السوريين ورفع المظالم عن المعتقلين والمخطوفين.

كان موقف الدول الغربية والخليجية متضاربا ومتناقضا من مؤتمر جنيف. فقد حضر المؤتمر الأول ستة عشر بلدا ومنظمة منها الاتحاد الأوربي، ورغم ذلك دعمت هذه البلدان الخيار العسكري “عيار وسط” بشكل عمّق حرب الاستنزاف في البلاد. وأغمضت العين عن دخول الجماعات التكفيرية. ثم اعتبرت تدخل الميليشيات الشيعية وحزب الله احتلالا إيرانيا رغم أننا نبهنا في كل مناسبة وموقف من أن من يغمض العين عن مئة من الشاشان لن يحول دون تدخل ألف من لبنان، فالتدخل الخارجي يفتح باب التدخل الخارجي الواسع، والعنف يزيد العنف والخطاب الطائفي كما الممارسات ستجعل المواجهات الطائفية المدمرة هدفا في ذاته ومن أجل ذاته عند كل الموتورين والمجرمين من داخل وخارج الحدود.

عندما أطلق كوفي عناني مبادرته ومن بعد توافقت الأطراف الستة عشر (بمن فيها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن) على “إعلان جنيف”، كانت معادلة وقف إطلاق النار بسيطة في مكوناتها العسكرية وكان ثمة هوامش أوسع لتحجيم العنف والتطرف والجرائم الطائفية وتواجدٍ قابل للسيطرة من الأطراف السورية لوحدها. اليوم نحن أمام عملية مركبة ومعقدة فيها ساحات اقتتال بالوكالة والأصالة في مواجهات مفتوحة مدمرة لا أفق لها سوى إشباع غرائز متوحشة وطموحات إقليمية ضيقة الأفق وسرطان مذهبي مدمر للبلاد والعباد تحت أنظار سمع العالم وبصره. ومن الصعب الاستجابة السريعة لها بمجرد قرار دولي أو إقليمي أو سوري بذلك.

منذ أيار/مايو 2013 توضح لنا أن الطرفين الأمريكي والروسي قد اتفقا على تقاسم الأدوار والمهمات. وكان من الواضح أيضا ربطهما للملف السوري بجملة ملفات إقليمية ودولية. ومع ذلك وبالتواصل معهما وكل من له علاقة بالملف السوري سلبا أو إيجابا، حرصت هيئة التنسيق الوطنية على مسلمات أساسية في نهجها الوطني الديمقراطي المدني والسيادي تقوم على ضرورة التعاون بين كل أطراف المعارضة من أجل تحقيق مطلب “إعلان جنيف” منها في تشكيل وفد وازن في تمثيله يتمتع بالكفاءة ويستطيع دخول المعركة السياسية بالمستوى الذي تفرضه علينا تضحيات الشعب السوري. وقد اعتبرنا هذا الإعلان الأساس لهذه المباحثات دون أية شروط مسبقة. وأكدنا على أن المهم ليس عقد مؤتمر جنيف مهما كانت الظروف والنتائج، بل توفير الشروط الذاتية والموضوعية لإنجاح المؤتمر. من هنا حرصنا المتزن والمتوازن على أن لا ندخل حلبة المعركة السياسية دون دعم شعبي قوي وتوفر الحد الأدنى من أجواء الثقة بين مختلف الأطراف. لذا طالبنا المجتمع الدولي بالتحرك الجدي من أجل إعلان النفير العام للإغاثة في نكبة فاقت خسائرها وكلفتها تسونامي القارة الآسيوية. وتوفير الإمكانيات لإيصال المساعدات الإنسانية لمن يحتاجها على عموم الأراضي السورية. ووقف الاعتقال العشوائي من قبل الأجهزة الأمنية مع الإفراج عن كل من لا ناقة له ولا جمل في البقاء وراء القضبان، وبشكل خاص الجماعات المستضعفة من نساء وأطفال. كذلك رفع العقوبات الغذائية والدوائية الأمريكية والأوربية عن سورية وإطلاق سراح المخطوفين والمخطوفات عند الجماعات المسلحة على اختلافها.

لكن وبكل أسف لا يلاحظ المرء أية ضغوط جدية للحصول على أي حق من هذه الحقوق. بل على العكس من ذلك يجري هدم مناطق كاملة في مدينة حلب ببراميل الديناميت، ويلاحظ صمت وتواطؤ أطراف في المعارضة في عملية اختطاف راهبات وجرائم قتل على الهوية المذهبية. وعوضا عن وضع التخوم واضحة بين أنصار الحل السياسي وأنصار التأجيج العسكري يختلط الحابل بالنابل، ويتراكض الطرف الأمريكي لإرضاء منظمات متطرفة بغية مشاركتها في مؤتمر جنيف، ولا تتورع عدة دول عن طرح مندوب لها في المؤتمر ودول أخرى عن وضع قوائم للمشاركين بل وللوزارة القادمة؟

ويمكن أن نقول اليوم دون تجنٍ على أحد، أن الدول الراعية وأخواتها الإقليمية تضع مصلحة الشعب السوري والسيادة السورية في الاعتبار الأخير. ويهمها أكثر بكثير تحقيق توازنات وصفقات منه الاستجابة لاحتياجات وضرورات يتوقف عليها مصير شعب ودولة ومنطقة.

إن محصلة اللقاءات الدولية التي قامت بها هيئة التنسيق الوطنية تعطي صورة شاحبة غير مطمئنة لكل حريص على سورية وشعبها، ومن المحزن أن نقول بأن هناك توجه جدي لتحويل مؤتمر جنيف من مؤتمر لرسم معالم سورية مدنية ديمقراطية ذات سيادة إلى مؤتمر لتقاسم النفوذ والمصالح الدولية في نطاق لعبة الأمم.

لا يمكن الحديث عن تسوية سياسية تاريخية إلا في مؤتمر يكون فيه التغيير الديمقراطي وانتقال البلاد من دولة أمنية لدولة قانون جديرة بالتسمية الهدف والمآل. ولا يمكن عقد مؤتمر ينجم عنه هيئة حكم وطنية جامعة مع استمرار القمع والقصف في ظل غياب وتغييب الصوت الديمقراطي الحر وتحويل الأغلبية الصامتة إلى مجرد ضحية في مواجهات صارت سنتها المشتركة الوحيدة جرائم الحرب اليومية. كذلك لا يمكن الهرولة وراء حضور سياسي للمتطرفين مكافأة لهم على جرائمهم في وقت يجري تهميش تواجد الشخصيات الاعتبارية والمنظمات الوطنية الديمقراطية.

إن سعينا لتوحيد صفوف المعارضة باستمرار هو ابن يقين بأن انقسام المعارضة يعني استقواء الخارج عليها واستقواء بعضها بالخارج. ولذا لم تغلق هيئة التنسيق الوطنية بابا على كل محاولات التنسيق والتعاون. وهي ترى اليوم في توحد موقف المعارضة على اختلاف ألوانها السبيل الوحيد لاستعادة السوريين لقرارهم وكرامتهم في هذه الحرب القذرة التي انطلق شعبنا فيها بصرخة “الموت ولا المذلة” وأوصلته الأطراف الإقليمية والدولية، بنسب مسئولية قلت أو كثرت، إلى الموت والمذلة.

من الواضح لكل ذي بصر وبصيرة أن أي حضور لمؤتمر جنيف دون الممهدات القادرة على احتضان المؤتمر من أوسع شرائح المجتمع السوري وقواه السياسية والمدنية. سواء كان هذا الحضور بمظلة تنظيم وملحقات شكلية، أو عدة وفود لأطراف المعارضة السورية الأساسية يغنّي كل منها على ليلاه. سيكون نقطة ضعف قاتلة في المفاوضات وفي القدرة على فرض مطالب الشعب السوري والتي قدم من أجلها تضحيات تفوق الوصف. من أجل هذا أطلق المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية في 23/12/2013 مبادرة “وفد واحد وبرنامج واحد وصوت واحد” على أمل بأن يتغلب الشعور الوطني والشعبي المسئول على الالتزام الحزبي والفئوي وأن نمتلك جميعا في هذا الظرف العصيب الإحساس الأعلى بالواجب تجاه مواطني بلدنا من أجل خوض المعركة السياسية بكامل ما تتطلبه منا من تكاتف وتقارب يسمح بإعادة الاعتبار لمختلف قوى المعارضة التي وللأسف لم تستطع حتى اللحظة توحيد صفوفها أو تشكيل لجان مشتركة تسمح بتنسيق الحد الأدنى فيما بينها. من هنا ضرورة الاستجابة لنداء هيئة التنسيق لاجتماع مصغر لأطراف المعارضة الرئيسية في القاهرة، يشمل كل من الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطنية والهيئة الكردية العليا وشخصيات غير منضوية في أي منها بما لا يزيد عن أربعين شخصاً. لتحديد المشتركات الأساسية للمعارضة الوطنية الديمقراطية وفي مقدمتها:

1.     اعتبار المؤتمر الدولي تدشينا لفترة انتقال ديمقراطي مدني لا فترة استمرار للتعسف والدكتاتورية في البلاد أو لمؤسساتها.

2.     ضرورة الطابع الملزم والتنفيذي لقرارات المؤتمر بما في ذلك وسائل المشاركة الأممية المباشرة في الميدان.

3.     الاتفاق على ميثاق وطني سوري مشترك يشكل قاعدة الارتكاز لبناء سورية الجديدة ويعتمد على نصوص أساسية تثبتت في مؤتمر حلبون ووثائق المجلس الوطني والائتلاف والهيئة الكردية العليا والميثاق الوطني في مؤتمر القاهرة.

4.     إعداد مسودة مشتركة للمبادئ الدستورية للمرحلة الانتقالية وأولويات العدالة الانتقالية في الوضع السوري.

5.     تحديد مواصفات هيئة الحكم باعتبارها ليست فقط حكومة بالمعنى التقليدي (تمتلك السلطة التنفيذية) بل سلطة انتقالية ذات صلاحيات تتعدى الصلاحيات التنفيذية إلى التشريعية والقضائية للمرحلة الانتقالية.

6.     إعادة تموضع القوى المسلحة في البلاد على أساس انتمائها للمشروع الديمقراطي والحل السياسي، والاتفاق على آليات قابلة للتطبيق تتعلق بدور وهياكل ووظيفة الأجهزة الأمنية في البلاد وإعادة هيكلة وبناء المؤسسة العسكرية.

7.     تقسيم العمل بين المكونات السياسية بشكل تكاملي لا بشكل تنافسي يسمح بالاستفادة من كل الطاقات والعلاقات التي بنتها المعارضة خلال أكثر من عامين ونصف من النضال السياسي والدبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي

8.     وضع خطة إنقاذ وطنية تعتمد على الاستنفار الدولي المرافق للعملية السياسية بحيث يمكن دمج مهمتين مركزيتين (الإغاثة وإعادة البناء) في مشروع يشبه مشاريع إعادة البناء في مناطق الصراع الدامية مثل أوربة إثر الحرب العالمية الثانية ومكونات يوغسلافيا السابقة.

9.     تشكيل غرفة عمليات مشتركة للمعارضة السورية تنضم إليها شخصيات تمتلك الكفاءة والاختصاص والتجربة تسمح برسم سياسة إعلامية مشتركة وبناء نسيج علاقات قوية أثناء المؤتمر وتكوين جماعات ضغط مؤيدة للبرنامج المشترك.

في هذا الاجتماع تجري مناقشة كل المقترحات بما في ذلك موقف موحد لكل أطراف المعارضة من عقد مؤتمر جنيف في التاريخ المحدد له أو ضرورة التأجيل.

لا سبيل آخر ينقذنا من أن نكون جميعا في مؤتمر جنيف 2 مجرد طرفٍ مفعول به مصلوب. إننا نتوجه لكل قوى المعارضة نطالبها بالاستجابة لمطلب شعبي أساسي يضمن وجود صوت قوي وفاعل ومؤثر للدفاع عن الحقوق الأساسية للمواطنة والوطن في هذه اللحظات الأصعب في تاريخ سورية المعاصر ونأمل من الجميع أن يكون في مستوى المهمة التاريخية الملقاة على عاتقنا.


—————————–
نشر النص في موقع  رأي اليوم  25/12/2013