نوفمبر 27, 2024

الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين

Islamists against democracyسؤال وجواب الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين

وجه الصديق صلاح الدين الجورشي رسالة يستفسر فيها عن مآلات الحوار بين العلمانيين والإسلاميين مع وقفة عند التجربة السورية وفيما يلي نص الإجابة

أخي العزيز صلاح الدين الجورشي

انتقلت العلاقة بين التيارات العلمانية السياسية والإسلامية السياسية من مرحلة المواجهة المباشرة إلى مرحلة الصداقات والعداوات السياسية. بمعنى أن الموقف من العلمانية عند الإسلاميين ومن الطابع الديني للحزب السياسي عند العلمانيين لم يعد سوى مادة تعبوية قابلة للاستعمال في أوقات الأزمات والمنافسات الانتخابية أو الانتسابية. فقد حطمت الهزائم المشتركة، وهي كثيرة، مجموعة الأساطير التي نسجتها العلمانية الاستئصالية حول قدرة التيارات السياسية المتأثرة بالفكر الغربي (ليبرالية أو اشتراكية) على تغطية الخارطة السياسية والحياة العامة. كذلك رفعت الممارسات السياسية اليومية القداسة عن الحزب السياسي الإسلامي ليصبح قوة سياسية كغيره يحاسب على أفعاله وممارساته الدنيوية أولا. ولعل ذلك يعود إلى معمعان الحياة السياسية والمدنية نفسها التي أنجبت تصورات جديدة وهمشت أطروحات سياسية راديكالية الظاهر محافظة في الجوهر.

لو أخذنا كمثل عام  حركة الإخوان المسلمين في أربعة نماذج نجد من الصعب وضع تكتيكاتها وممارساتها في أي إطار ديني أو مقدس: تأييد شقها الأفغاني للتدخل العسكري الدولي في أفغانستان، مشاركة الحزب الإسلامي في العملية السياسية في العراق المحتل من عضوية مجلس الحكم إلى رئاسة الجمهورية، مشاركة حمس في العملية السياسية بعد الانقلاب العسكري في الجزائر، وأخيرا تحالف الإخوان في سورية مع نائب الرئيس الأسبق عبد الحليم خدام.

مقابل هذه المشاهد السلبية ثمة مشاهد إيجابية وخلاقة عرفتها الحركة على الصعيد الإسلامي: فهي تتصدى لضرب مشرّف للمؤسسات الديمقراطية في باكستان، وتناضل في صلب التجربة السياسية المدنية في تونس وتقف مع الحركة الديمقراطية ضد التراجعات الدستورية وتقييد الحريات في مصر، وتخوض تجربة قوية تواجه فيها الحصار الظالم والخنوع الدولي للمفهوم الإسرائيلي للإرهاب عبر تجربة حماس في فلسطين.

بالطبع وجهة النظر التي أعرضها نسبية وليست مطلقة، وقد يبصرها المرء من منظار آخر. فهناك صراع حقيقي بين التيار السلفي والتيار الإخواني. وبعكس ما يمكن تصوره، ليس التيار السلفي متماسكا ومغلقا بل هو في حالة غليان وبحث عن النفس. الأمر الذي يجعل الحركة في عدة بلدان أمام تحديات حقيقية. فمن يستطيع أن يفاضل بالمفهوم الديمقراطي بين حزب الأمة المحسوب على السلفيين والإصلاح المحسوب على الإخوان في الكويت؟ من يستطيع أن يفهم طبيعة التحالفات بين التنظيمات ذات الألوان الإسلامية في لبنان؟ هل هناك معركة على تمثيلية “البيت السني” في عصر الطوائف والعشائر المقوننة أمريكيا؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تنزل النقاش من السماء إلى الأرض وتجعل من المضحك أن يذكر الإخوان قبل أيام بإنجازات إخوانية منها على سبيل المثال

(عن لماذا دعوة الإخوان المسلمين):

“3 – أكدت وجوب قيام جماعة تسعى إلى تعليم الإسلام، والدعوة إليه، ونصرته.. تواجه الأحزاب العلمانية، وتعمل على إقامة شرع الله في الأرض.. ودرّبت جموعاً وجماهير من المسلمين، على العمل الجماعيّ المنظّم .

4 – أحيَتْ فكرة “الخلافة” وإعادة الإسلام إلى أن يحكم حياة الناس، في الوقت الذي يجهد العلمانيون لنشر ثقافة فصل الدين عن الدولة 5 – بيّنَت معنى الولاء، وأن ولاء المسلم يكون لله ورسوله وأوليائه.. بعدما ظهر في المجتمعات الإسلامية أناسٌ يتزيَّون بزي الإسلام وعلمائه.. ثم ينتسبون إلى حزب علماني أو منظمة ماسونية! “.

حركة الإخوان المسلمين في سورية هي حركة بناها الأستاذ مصطفى السباعي من رحم تنظيمات محلية متفرقة في المدن السورية الرئيسية، وقد حملت منذ النشأة روح تعددية الأطراف التي شاركت في البناء. من الضروري التذكير أن السباعي هو أحد أعمدة الحكمة البرلمانية في سورية وقطب من أقطاب مفهوم حديث للسيادة والدولة التعاقدية والتعددية السياسية. وكتابه حول اشتراكية الإسلام تأصيل مبكر للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدولة. وقد استمر الأستاذ عصام العطار على هذا النهج الذي نسج في السنوات العشر الأولى عدة تحالفات سياسية وجبهات منها الجبهة الإسلامية الاشتراكية مثلا في الخمسينيات. أما تيار حزب الحق الواحد والفرقة السياسية الناجية فقد بدأ بالظهور في ظل حالة الطوارئ التي فرضها انقلاب 1963 وعمدها ثورة. الحزب الثوري في السلطة أنتج الحزب المخلّص عند الإسلاميين، وحالة الطوارئ أعطت إيديولوجيات طوارئ.

جيل الانقلاب البعثي، إذا صح التعبير، هو جيل الاستئصال المتبادل بين العلمانيين والإسلاميين والذي أنجب مأساة 1978-1982 مع كل ما تركت من عقابيل وآلام ندفع ثمنها حتى اليوم. ويمكن القول أن تحالفات تلك الحقبة (بين البعث العراقي والإخوان) كانت وليدة المصالح المتبادلة ومبدأ عدو عدوك. أكثر منه حوار جدي بين العلمانيين والإسلاميين. لذا لم يكن غريبا أن تنتقل قيادة الإخوان للحوار مع قيادات المخابرات السورية في ألمانيا في نهاية الثمانينيات للوصول إلى صيغة تضح حدا لحرب داحس والغبراء.

لقد بدأت النقاشات الفعلية حول ضرورة بناء جبهة ديمقراطية واسعة بشكل جدي بعد حرب الخليج الثانية. وصارت عدة اجتماعات ولقاءات بين التيار الديمقراطي الوطني وحركة الإخوان المسلمين. وقد شاركنا ودعونا للعديد من الاجتماعات العلنية والسرية من أجل بلورة مفهوم مشترك للدولة المدنية الجامعة لكل مكونات الخارطة السياسية الطامحة للتغيير الديمقراطي. وقد فتحت حركة الإخوان المجال للعديد من الشخصيات الحقوقية والسياسية السورية بالحوار المباشر مع كوادرها. فعلى سبيل المثال، كنت اجتمع بشكل شبه منتظم، كلما أتيحت لي فرصة سفر للمنطقة، في أكثر من بلد عربي وأوربي. مع كوادر الحركة نتذاكر في حقوق الإنسان وطبيعة السلطة وآليات النضال السلمي وبناء التحالفات وحركة حقوق الإنسان.

جملة النشاطات المشتركة أعطت وثيقة العمل الوطني الموقعة من إسلاميين وعلمانيين والتي مهدت لاجتماعات جعلت من إعلان دمشق ورقة قابلة للجمع بين الكتل السياسية المعارضة الثلاث في سورية: الأحزاب الكردية، الحركة الإسلامية السياسية والحركة العلمانية الديمقراطية. لقد كان هذا الإعلان، برغم كل نواقصه ونقاط ضعفه، فرصة لتنشيط وتفعيل الفضاء السياسي السوري. وللأسف جاءت مشكلة تحالف الإخوان مع خدام في جبهة الخلاص لتخلق مشكلة سياسية جديدة تفرمل هذه الحوارات. ولكنها بنفس الوقت أعطت المجال لنشوء أشكال سياسية إسلامية جديدة كحركة العدالة والبناء مثلا. مع كل ما يترتب على ذلك من إحياء للنشاط السياسي في الأوساط الشابة.

ما هو مهم في هذه التجربة، هو أننا نصيب ونخطئ، نختلف ونتفق، على أسس سياسية ومدنية دون أي عقائدية يسارية مغلقة أو تقديس للسلوك البشري باسم المرجعية الإسلامية وهذا بحد ذاته إنجاز للحركة السياسية السورية.

خالص المودة

هيثم مناع    29/05/2007