أبريل 14, 2024

إعلان دمشق أو دينامية الوحدة والاختلاف

damascلأول مرة، منذ استلام حزب البعث السلطة بانقلاب عسكري في الثامن من مارس/ آذار 1963، ينال إعلان سياسي انتساب أغلبية واسعة من المجتمعين السياسي والمدني في سورية. وفي التاريخ، نادرا ما تحول إعلان مبادئ إلى نص قرآني مقدس، ولكن مجرد الاتفاق بين عدد كبير من مكونات المجتمع على أن التغيير الديمقراطي ليس أمنية ثلة من الحالمين بل برنامج كل من يعتبر المواطنة الشرط الأساسي والأولي لعافية الوطن وكرامة الإنسان وسيادة الشعب، بمجرد أن يتحول التفكير السياسي المعارض من البحث في إعادة صياغة هذه الجملة أو تلك عدة مرات، إلى اتفاق على دينامية للوحدة في حق التباين والاختلاف، تتسطر حقبة جديدة للنضج السياسي. فحرية التعبير هي التي ستخلق الظروف الأمثل للبرنامج الأفضل، وحرية التنظيم هي التي ستفسح المجال لكل القوى السياسية للتعبير عن نفسها، وحرية التجمع والنضال السلمي هي التي تضمن استفادة المشروع الديمقراطي من كل الطاقات من أجل الخروج من الطريق المسدود للسلطة الأمنية التي لم يعد لديها سوى الاعتقال والمنع من السفر وأشباه المحاكمات والاعتداءات الجسدية وأسلوب التهديد داخل وخارج البلاد وسيلة للاستمرار في الحكم.

وما أدل على ذلك، طبيعة التحفظات التي أبداها البعض، وهذا حقهم الكامل، مثل التحفظ على فقرة: “الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب.” من الملاحظ أن هذه الجملة تقييم لواقع، تقييم يقول بأن المكون الثقافي الأبرز في سورية ليس الوجودية أو الماركسية وإنما الإسلام، وهو الأبرز وليس الوحيد، الأمر الذي يوضحه النص في حديثه عن الحضارة فيتحدث بأمانة ووضوح عن التفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى.

إلا أن مربط الفرس بالنسبة لنا ليس وصف الأوضاع بل تحديد الالتزامات بالمعنى الحقوقي للكلمة. هنا من الواجب التذكير والتركيز على فقرة رئيسية في إعلان دمشق لا تترك المجال للدخول في منطق العشيرة والطائفة والقوم، هذه الفقرة تقول: “الالتزام بجميع المعاهدات والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان”. في مشاركاتي مع إخواننا العراقيين من المعارضين والمؤيدين لحكومتهم في ندوات حول الدستور بقيت أطالب بالإصرار على عهد مجتمعي مشترك حتى حذفت المادة التي تنص على الالتزام بجميع المعاهدات والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان. عندها قلت في آخر مداخلة في 10/10/2005 في عمان، “الآن، لم يعد لديكم ناظما مشتركا في حال طغيان العصبيات الصغيرة”.

ولأن هذه الفقرة جاءت التزاما، فقد أعلنت تأييدي، كمواطن سوري لهذا الإعلان، لأن فيه ما يحمي الفرد من الجماعة والأقلية من الأكثرية والمحكوم من الحاكم ويعطي لمجموعة قيم إنسانية عالمية قوة الإلزام.

لقد ضاقت حلقة السلطة أكثر فأكثر، وأصبح في صلب الحلقة الأضيق عددا من المتهمين بجرائم جسيمة داخل وخارج الحدود، ولم يعد بالإمكان المضي بعيدا بفريق استهلكه الفساد واستهلك المجتمع بالسرقة والاستبداد. وأصبح واجب كل مواطن أن ينتسب للمشروع الديمقراطي الكبير الذي يعيد أغلبية الناس للعمل السياسي والمدني دون أن يحرم الأقلية (بالمعنى السياسي والجغرافي والقومي والطائفي) من حق الوجود بقوة وفي أعلى مراكز القرار وفقا للكفاءة والبرنامج السياسي والتضامن الشعبي مع هذه الشخصية أو التشكيلة السياسية أو تلك .. باعتبار المواطنة هي بطاقة الشرف الوحيدة لكل مولود على أرض سورية.

 بعد فشل العنف السياسي في رسم معالم ديمقراطية جديرة بالاسم في بغداد، وبدء خريف بيروت قبل التمتع بربيعها، أصبح الأمل في دمشق، في أن تتعلم من دروس مناهضة العنف شرقا ومناهضة الطائفية غربا ما يقيها مخاطر البقاء خارج التاريخ.

 وحده النضال المشترك من أجل دولة مدنية ديمقراطية حديثة، يشكل مكافأة مقبولة لضحايا الاستبداد وهدية جميلة لأطفالنا.

21/10/2005