يلقي أبو الهول الرهيب، عليه من رعب ظلال والموت يلهث في سؤال باق كما كان السؤال، ومات معناه القديم من كثر ما اهترأ الجواب على الشفاه. وما الجواب؟ “أنا” قال بعض العابرين… بدر شاكر السياب[1]
مدخل: كما أن المواطنة كانت ابنة مفهوم سلبي للحقوق، يمكن القول أن العالمية قد نشأت مع ديانات التبشير وإمبراطوريات التوسع. بمعنى آخر، كانت العالمية الغطاء الإيديولوجي للغزو والهيمنة أو التبادل التجاري-الربوي. وقد تم اكتشاف ثقافة الآخر بعد هذا الفعل “القبيح” في أقدار البشرية سواء في المرأة المسبية التي غزت بيت الغازي أو في الأمة المشتراة التي طّعمت الأبناء بثقافة هجينة وفي استثمار “مثقفي” الشعوب المغلوبة. هذا الفعل نفسه هو الذي خلق حالة دفاعية عند الثقافات المسودة. فأية ثقافة أو أخلاق، كما يقول إريك فايل Eric Weil ، لا تظهر باعتبارها خاصة ما دامت تعاش بكل بساطة من قبل جماعة من الناس دون الشعور بالحاجة إلى الدفاع عنها ضد قيم أو معارف تهدد وجودها[2]. ولحسن الحظ، لم تنجح أية منظومة فكرية أو دينية لا في إلغاء كل ما عداها مما أسمته بالكفار أو البرابرة أو الخوارج أو الهمج أو المتخلفين، ولا في الانغلاق الكامل على نفسها وعدم التفاعل مع غيرها.
يمكن القول أن الحديث في قيم ومعارف ونظم تفكير لها طابع العالمية جاء بعد ذلك وكان ابن عمل فلسفي وفكري محض. من هنا صعوبة الحديث عن العالمية في أثينا ميلاد الفلسفة، وبكين خان بالق التي يتحدث عنها ماركو بولو، وبغداد ازدهار الحضارة العربية الإسلامية وباريس الثورة الفرنسية بنفس الطريقة والمفهوم والمكونات. لم تحتج البشرية لطويل وقت لاكتشاف أن العالمي ليس بالضرورة وفقط ما يسمى عند جماعة بشرية بذلك، إذ أن سيرورة العالمية Universability قضية نسبية في الزمان والمكان والمنطلق. ولعلنا نتحدث عن المفهوم براحة أكبر بكثير عند تناول الموضوع الذي تتقاسمه الجماعات البشرية بالفعل. دون السقوط بالطبع، في منطق “كل الجماعات دون استثناء”. ففي حين يصعب الحديث عن عالمية فكرة التوحيد في الثقافات البشرية كافة، رغم طموح أنصارها للوصول إلى كل إنسان وكل شعب، نجد النظم الثنائيl’ordre binaire قاسما ثقافيا مشتركا في الثقافات التي نعرفها رغم هزيمة المانوية التي تبنتها في صلب اعتقادها. فأية ثقافة تخلو من المشابه والمختلف، الواحد والمتعدد، الاستمرارية والانقطاع، البسيط والمركب، اليسار واليمين، الحار والبارد، الجاف والرطب، الثقيل والخفيف، الأعلى والأسفل، الفارغ والملآن، الثواب والعقاب، الخصوبة والعقم الخ؟ ويمكننا القول اليوم أن علماء الألسنية والاتنولوجيا لم يكتشفوا بعد لغة لا تقيم الفارق بين النحن والآخر.
انزرعت العالمية في الخطاب الثقافي الغربي لحقوق الإنسان مع فكرة الحق الطبيعي. وعندما نقول طبيعي، يفترض هذا تنصّب الحقوق فوق الجنس واللغة والبلد والمعتقد. وإن أكدت ثقافة عصر التنوير على تعابير أساسية عالمية الطابع كالحرية والمساواة والتسامح، فقد كان الاستعمار المباشر والثورة الصناعية العتلة الفعلية لهذا الخطاب الذي تم توظيفه في إعادة تقسيم مراكز القوى في العالم بعد الانهيار المتتابع لإمبراطوريات القرون الوسطى خاصة، وإن إحدى أهم صفات الاستعمار الأوربي تزامن الصراع بين الأمم الأوربية المتكونة حديثا مع طموح كل منها غير المحدود للتوسع.
إن أوربة العائدة لاحتلال مركز العالم لم تلبث أن أعطت صفة العالمية لأهم ما أنتجت، ولم تنج من ذلك المؤسسات الثقافية أو المدارس الفكرية. وسواء تعلق الأمر بالبنى التحتية للثقافة (المؤسسات التعليمية والتخصص) أو التيارات الفكرية، لم تضع أية من المدارس الفكرية الكبرى في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين “بداهة” عالميتها موضع شك. واحتاج الأمر لزمن قبل وضع عالمية مفهوم الصراع الطبقي عند ماركس وانجلز، الأسرة الصغيرة النواة عند علماء الانثروبولوجيا أو عقدة أوديب عند فرويد موضع تنقيب وبحث جديين داخل أو خارج حدود الكنائس الفكرية الحديثة. كذلك وضع فكرة الحقوق الطبيعية على مشرحة النقد مع ارتباط مفهوم الأنسنة الغربي أكثر فأكثر بالتاريخ والاجتماع البشري، وبالتالي دخول الاكتساب والتحول والتكيف في صلب تعريف الحقوق.
لقد عمقت السيرورة المجتمعية الغربية والثقافة الغربية مفهوم الحقوق الفردية ومفهوم الشخص. وأصبح من الأسئلة الأساسية المطروحة كيف يكون الإنسان في الوقت نفسه مختلفا عن كل الأشخاص، مشابها لأشخاص معينين ومشابها لكل البشر؟ لعل طرح هذه الأسئلة من منظار متعدد الميادين ومواقع متعددة الثقافات سيكون له انعكاسات إيجابية أكيدة على تقدم مبادئ حقوق الإنسان ووسائل النضال من أجلها.
فمن العدمية برأينا الحديث عن عالم الزي الموحد واللغة الموحدة والمطعم الواحد والفن الوحيد النغم باسم العالمية مهما كانت خصائلها. فدراسة النفس والفرد تظهر إلى أي مدى يختلف الأفراد وبالتالي صعوبة معالجة المرض نفسه بالضرورة بالطريقة نفسها عند شخصين من بيئة واحدة، فكيف الحال في اختلاف البيئة والمحيط الاجتماعي والفضاء الثقافي؟
من هنا، فإن دفاعنا عن مبادئ عالمية لحقوق الإنسان ينطلق أولا من مبدأ قبول الفروق المرئية وغير المرئية في الثقافات سواء كان الأمر يتعلق بمحتوى الثقافة أو بمناهج تناقلها من جيل لآخر أو مدى قدرتها على الاغتناء في الزمان والمكان والتفاعل مع الآخرين. وثانيا من الحرص على رفض توظيف ما يعرف بالعالمية أو الخصوصية سواء بسواء لأية غايات ترجح القوة على روح العدالة وتحجم الحقوق لحساب المصالح أو الإيديولوجيات. فمهمة المدافع عن “عالمية حقوق الإنسان” تكمن برأينا في إمكانية العثور على نقاط القوة والتشابه في منظومة القيم الثقافية والاجتماعية التي تسمح بالتقارب بين الشعوب واكتشاف جملة مبادئ وقيم تسهم في حماية الإنسان والبيئة وضمان حقوق إنسانية أساسية أصبح من الصعب تجنب الجنس البشري للبربرية دون احترام الحد الأدنى لها. إن ما يزيد من هذه القناعة، أنه في التاريخ كما في الواقع، كان هناك تيارات وأشخاص استطاعوا أن يجسدوا عبر عالمية العطاء العلمي والفلسفي والحقوقي مكانا لهم ولثقافاتهم تحت شمس الثقافة العالمية، وأن يقيموا الجسور بين تلك الومضات الخلاقة التي تعطيها الشعوب والثقافات للخلود.
العالمية و العولمة
اجتاحت الرياح العاتية العالم منذ سقوط جدار برلين وانهيار ثنائية القطب على الصعيد العالمي. فلم يعد بالإمكان الحديث عن عالم ثالث بعد وفاة الثاني أو الدفاع عن اشتراكية بيروقراطية واقعية يمكن معالجتها. لقد انتصر النموذج الليبرالي للرأسمالية بقليل من الخسائر لأن سقوط الأنموذج الآخر كان ابن أمراض ومشكلات بيروقراطية لم تعد قادرة على تمثيل شعاراتها المعلنة أو اقتباس أساليب خصومها. البعض سماها نهاية الحرب الباردة والبعض الآخر عودة النظام البريطاني القديم بثوب أمريكي. ولم تلبث تسمية النظام العالمي الجديد أن تركت مكانها لكلمة أكثر ثباتا وقوة وتعبيرا عن دخول سلطة المعلوماتية في موازين القوى بين البشر بعد أن زرعت الشركات المتعددة الجنسية والنظام النقدي العالمي الأرضية التحتية لجعل مفهوم السيادة الوطنية قضية خاسرة مسبقا. وفي منعطفات كهذه، من المفيد أن نقتبس أسلوب أولريش بك وأن نستعيد معه نصا كلاسيكيا ضاع في غمرة انهيار ما عرف لنصف قرن بالمنظومة الاشتراكية: “جعلت البرجوازية، بواسطة استغلال السوق العالمية، من الإنتاج والاستهلاك في كل البلدان مواطنية عالمية. لقد سحبت لسوء حظ الرجعيين الكبير الأرضية الوطنية للصناعة من تحت أرجلهم، فدمّرت الصناعات الوطنية القديمة ولا تزال تدمرها يوميا، إذ تزاحمها الصناعات الجديدة، التي أصبح إدخالها مسألة حياة بالنسبة لكل الشعوب المتحضرة.. فالاكتفاء الذاتي الوطني القديم والعزلة يحل محلهما الاختلاط على جميع المستويات وتبعية الدول لبعضها البعض من جميع الجوانب، سواء كان ذلك في الإنتاج المادي أو الفكري. فالتعصب الوطني، والتقوقع يصبحان مستحيلين أكثر فأكثر، وينشأ عند ذلك أدب عالمي يضم عددا كبيرا من الآداب الوطنية والإقليمية”[3].
اعتبر كاتبا هذا الاستشهاد حقوق الإنسان التي تم الاصطلاح على تسميتها بذلك في القرنين الثامن والتاسع عشر قضية أنانية وفردية ولذا لم يجل بخاطرهما أن تكون عالمية هذه الحقوق من أولى إنجازات هزيمة الفاشية، وأن يمنحها مفهومهما الشامل للاقتصادي والاجتماعي والسياسي والمدني والثقافي والبيئي القدرة على مشاركة العديد من الحركات العالمية هَمّ قيام مجتمع مدني يتخطى الحدود. ورغم أن العولمة لم تترك الهامش لما يمكن اعتباره الحد الأدنى للأخلاق Minima moralia فإن مخاوف النظام الخلقي المغلقl’ordre moral هي التي تجعل البشر يعودون إلى مبادئ أخلاقية principes d’éthiques ضرورية تمكنهم من الاستمرار في الظروف اللا إنسانية التي نشأت عن النمو غير المتكافئ في عالم اليوم، سواء في الوحدات الجغرافية نفسها أو بين الشمال والجنوب. ولو أن حركة حقوق الإنسان ليست بمنجى البتة عن اقتصاد السوق، حتى بالمعنى الأردأ للكلمة، فإن ثمة قيم عالمية تغتني وتتبلور يوما بعد يوم تنجبها معاناة العالم الجديد وتجعل من مشروع هذه الحقوق غير المنجزة بشكل أو بآخر، ضمانات الحد الأدنى في عالم بلا ضمانات.
في هذه المسيرة الصراعية بالضرورة، بين عالمية المبادئ وعولمة المصالح، شهدت البشرية في العقدين الأخيرين بشكل خاص، نشأة عدة تعبيرات قومية جديدة وتجمعات فوق قومية supra national تقوم على أساس قاري أو ديني أو لغوي. وإن لم يطرح بعض هذه التجمعات نفسه باعتباره شكلا للتعارض مع التيار الجارف للعولمة بقدر ما هو شكل من أشكال التواجد فيها من موقع أقوى، كما هو الحال مثلا بالنسبة للاتحاد الأوربي، فقد نشأت أشكال ودعوات أخرى تضع نفسها في معركة محدودة أو مفتوحة مع التغيرات العالمية الجديدة، منها الخصوصية الحضارية عند الإسلاميين والاستثناء الثقافي في فرنسا والظروف الخاصة بالصين. سنكتفي في هذه الدراسة بتناول الحالتين الأولى والثانية.
الاستثناء الثقافي L’exception culturelle
رغم دخول هذا المصطلح في الخطاب السياسي الفرنسي منذ الثمانينات وتناول هذا الموضوع من قبل عدد هام من الباحثين، يرد تعبير “الاستثناء الثقافي” مرة واحدة في الموسوعة العالمية (الفرنسية) في مقالة الشركات المتعددة الجنسية. الأمر الذي يظهر أن هذا المفهوم لم يكن ليصعد إلى السطح لولا الهيمنة المتصاعدة للثقافة الأمريكية في أوربة. عندما كتب كلود ليفي ستروس في 1980 عن ظاهرة وضع العالم في بوتقة أحادية اللون قائلا: “تتقولب البشرية على الثقافة الأحادية وتعد نفسها لإنتاج الحضارة بالجملة (أو بالجمع) كما هو حال الشمندر. بحيث لن يحتوي صحنها اليومي فيه على وجبة غيره”[4]. كانت ملاحظته صادرة عن عالم الانثروبولوجيا المراقب وليس عن رجل سياسة يوظف.
جاء الحديث عن “الاستثناء الثقافي” من تقييم يقوم على فكرة أن الثقافة الفرنسية مهددة، كما كان الحديث عن الفرانكوفونية ابن الشعور بأن اللغة الفرنسية قد أصبحت مهددة وتعاني من التراجع على الصعيد العالمي مع انحسار الاستعمار المباشر. وعملية الدفاع الذاتي هذه لم تكن في الحالتين (والعديد من الباحثين يعتبرون القضيتين من لدن معركة واحدة)، ابنة تراكم فكري بل تراجع عملي ملحوظ. ولذا لم يكن لهذا التعبير حظوظ التماسك والمنهجية والمنطق. ويمكن القول أن تدارك هذه البقع الرمادية لم يبدأ قبل النصف الثاني من التسعينات.
يقود الحديث عن استثناء ثقافي إلى محورين رئيسيين: الأول، تمايز الصناعة الثقافية عن الصناعة التقليدية. والثاني، تمايز فرنسي اتسم بعلاقة متميزة بين القطاع العام والثقافة.
لعل أدورنو وهوركهايمر (مدرسة فرانكفورت) من أول من ناقش موضوع الصناعة الثقافية[5], وبرأينا ليس بالإمكان القول أن هناك قراءة فرنسية أو ألمانية أو عربية للموضوع بقدر ما يمكن الحديث عن وضع خاص وغير نمطي للصناعات الثقافية. فالمادة الثقافية والفنية تحتاج باستمرار إلى الأصالة authenticité والتفرد أو الندرة unicité إضافة إلى التجديد nouveauté [6], ففي كل عمل إبداعي، نجد بصمات الفنان أو الشاعر أو المفكر تصارع صلابة تقسيم العمل وقواعد اقتصاد السوق ولو بسلاح غير متكافئ. إن جملة عناصر تفرد إنتاجه لا تشكل شرطا في الصناعات الحديثة. ورغم وعي “المستهلك”، بدرجة أو بأخرى، للأهمية الخاصة للإنتاج الثقافي، فإن هذه الصناعة تبقى أسيرة غياب اليقينيات في كل مراحلها وبشكل خاص مرحلة كسب السوق. وهي أيضا وللأسف تدفع بضاعة إلى السوق مع شبه يقين بأن جزءا منها غير رابح البتة.
مع بقاء هذه الصفات المتميزة، أدخلت التحولات الهائلة في المعلوماتية، وبشكل خاص مع دخول الرقمية Le numérique شكلا جديدا للعلاقة بين موضوع الثقافة وطرق إيصالها ووسائل التعامل معها وحقوق المؤلف ودور النشر. وقد اجتمعت بفضل الرقمية معلومات أساسية مختلفة الطابع في رموز مشتركة. وأصبح بالإمكان، على أسطوانة صغيرة، جمع وسائل تربوية لتعليم لغة جديدة مع عدة قواميس خاصة بها وأكثر من مائة رواية وديوان شعر ومسرحية تعّرف على الفضاء الثقافي لها. ناهيكم عن التداخل الهائل في تعبيرات واستعمالات الكلمة والصوت والصورة. إن هذا الإنجاز العالمي في خدمة الثقافات يجعلنا ندخل حقبة التداخل interdépendance من جهة، بين المراحل الصناعية الصرفة وتلك الخاصة بالإبداع الفني، ومن جهة ثانية، بين إمكانيات التعريف على الإنتاج الثقافي الخاص القادر على توظيف الاكتشاف كوسيلة للتواصل بين الثقافي في وجه هيمنة ثقافة واحدة.
إن الوضع الخاص للثقافة في الثورة المعلوماتية الجديدة لا ينبع برأينا من أي استثناء جغرافي أو ديني لسبب بسيط هو أن طبيعة الثقافة في الصناعة واحدة اليوم تقريبا في معظم بلدان العالم. وما طرح السؤال في هذا المجال، إلا نتيجة الهيمنة الأمريكية في الوضع الثقافي السائد، كتعبير للهيمنة الجيو سياسية والاقتصادية والعسكرية لهذا البلد. فيما تعبر عنه جويل فارشي بالقول: “الاستثناء الثقافي لا يعني فقط أن الثقافة ليست بضاعة كالبضائع الأخرى، وإنما بأسلوب أكثر صراحة، أن الثقافة الفرنسية –وبشكل أوسع الأوربية- ذات البعد الرمزي الذي يتجاوز ثروتها القومية يجب المحافظة عليها في وجه الثقافة الأمريكية السائدة”[7]. وبهذه الجملة التي تنهي كتابها، تخرج الاقتصادية الفرنسية من اللغة الحطبية إلى تناول أكثر حذاقة وتنورا من معظم السياسيين الفرنسيين، وتجعلنا نطرح السؤال المركزي في مكانه الفعلي: ما هو الاستثناء الفرنسي في الثقافة؟
تقوم برأينا فكرة الاستثناء الثقافي الفرنسي أولا على شرعية تدخل القطاع العام في الصناعة الثقافية والثانية على توظيف الميراث التوسعي للغة الفرنسية في خلق فضاء سياسي وثقافي واقتصادي يكون لفرنسا فيه الدور المركزي، وهو ما أصبح يعرف بالفرانكوفونية.
الدولة والثقافة في المثل الفرنسي:
بشكل عام، يدافع أنصار الأنموذج الفرنسي عن شرعية تدخل القطاع العام في الصناعة الثقافية بالاعتماد على حجتين رئيسيتين: الأولى، إفلاس أو عدم القدرة على الاستجابة insolvabilité لجزء من الطلب، الأمر الذي يفرمل الرغبة في المبادرة ويمكن أن يؤدي إلى حالة إنتاجية غير كافية، بل غير موجودة. والثانية: الطابع المتأرجح الخاضع للصدفة aléatoire والقليل الربح للمنتجات الثقافية الأمر الذي يؤدي إما إلى اختفاء المنتوج أو دخوله في المواصفات المطلوبة.
ويشاركنا العديد من البحاثة القول أن هذه الحجج إنما تأتي لتدافع عن وضع كان قائما باستمرار في التجربة الثقافية الفرنسية وأصبح يحتاج اليوم إلى نوع من “الأدلجة” في زمن العولمة، هذا الزمن الذي يؤكد يوما بعد يوم على غياب التكافؤ في العلاقة بين الثقافات على الصعيد العالمي. ولا يمتنع الفرنسي المختص بالشؤون الأوربية جاك ريغو عن القول بصراحة: “إن الطريقة التي تتعامل معها فرنسا مع الثقافة غير قابلة للحمل إلى الدول الأوربية الأخرى، حتى تلك الأقرب إليها”[8].
في التقاليد الفرنسية، غالبا ما تتدخل السلطات العامة بشكل كبير لدعم النشاطات الثقافية. ويمكن الحديث عن نشوء السياسات الثقافية في فرنسا منذ تمكّن السلطة الملكية على الكنيسة والأمراء في نهاية القرن الثالث عشر. ومنذ القرن الرابع عشر، وبشكل أوضح في الخامس عشر، تمكنت الأعمال الخيرية الملكية من الخنق التدريجي للأعمال الثقافية للكنائس والإدارات المحلية والتعبيرات الأخرى[9]. في بلد تصارعت فيه الكنيسة والدولة المركزية باستمرار على احتكار وتنظيم المجتمع[10]. ومع لويس الرابع عشر وجان باتيست كولبير Colbert(1619-1683) أصبحت السياسة الثقافية تساهم بوضوح في تمجيد الملك وعبر ذلك في سمعة المملكة، وتهدف أيضا إلى تعزيز السلطة المركزية وضمان السيطرة على الأفكار والفنانين[11]. وكانت المؤسسات الثقافية توظف غالبا مباشرة كأدوات لهذه السيطرة والتمجيد. يشمل ذلك إنشاء الكوميديا الفرنسية وبناء الأوبرا كأساس لثقافة وطنية ذات شأن. وما يسميه البعض أول وزارة ثقافة في “مؤسسة أبنية الملك” لا يتأخر البعض الآخر عن اعتباره “وزارة الضخامة الملكية وعظمة المملكة”. هذه العظمة خضعت لمنطق الدولة بكل معنى الكلمة لذا لا نستغرب عملية الفصل الواضحة بين قضايا الحقوق والحريات وما يتعلق بالمؤسسات الثقافية والقانونية للدولة. هل من الضروري التذكير أنه في هذه الفترة بالذات صدر القانون الأسود Le Code noire المشؤوم بحق العبيد والسود؟ منذ ذاك الوقت توضحت تعابير دولة الطغمة المنحازة والشللية في خياراتها وعلاقاتها بالفنانين؟ ولو أن الخطاب الرسمي يركز على أن دعم الفنانين أصبح وظيفة تقليدية خاصة مع هموم الوحدة الوطنية والمجد.
أخذت السياسة الثقافية للإمبراطورية مكتسبات الثورة الفرنسية مع تكرار أسلوب كولبير، وأصبحت المؤسسات الثقافية في خدمة مصالح الإمبراطورية وأصبحت المؤسسات الثقافية المحلية تحت إشراف المحافظين والمعاهد تحت السيطرة الكاملة للدولة في محاولة للسيطرة على حركة الأفكار وتوظيف المؤسسات الثقافية في خدمة مصالح الإمبراطورية. وكما اختفى بناء كولبير مع اختفاء لويس الرابع عشر، فإن الهياكل الثقافية التي وضعها نابليون الأول تزعزعت وتراجعت على امتداد القرن التاسع عشر.
تميزت سياسة الدولة أثناء الجمهورية الثالثة بالمفارقات. فمن جهة، أكدت فكرة أن الثقافة خدمة عامة كما وأكدت على دور الدولة في إدارة الفنون الجميلة حيث تم تشكيل وزارة للفنون في 1918 عاشت قرابة شهرين. في الوقت نفسه، حددت الدولة مجال تدخلها في التأهيل الفني والحفاظ على التراث، تاركة الإنتاج الفني للمبادرات الخاصة. لقد كانت ميزانية الثقافة قليلة وغالبا ما كان التصويت عليها يتم بعد كل النفقات الأخرى. وقد ركزت الدولة سياستها الثقافية على التعليم متبنية سياسة التعليم العلماني والإلزامي وتجسد غياب التدخل في إعطاء الرقابة لمؤسسة مستقلة سميت: المجلس الأعلى للفنون الجميلة. ولعل هذه الفترة من أكثر حقب تاريخ فرنسا الثقافي إثارة للجدل والخلاف، بين اتجاه يناصر وجود أكبر للدولة يعتبرونها قد أفقرت الثقافة وحصرتها في باريس وبالمشاريع الكبيرة لغياب الإمكانيات، واتجاه آخر يعتبرها قد أنجبت حركات إبداعية هامة بسبب فقر الفن الرسمي. وفي 1936 يمكن ملاحظة أن السكرتير الثاني للرياضة والترفيه قد حمل في موازنته دعم الدولة لحركات الشبيبة والعطلة المدفوعة الثمن وطرحت فكرة دمقرطة ولا مركزية الثقافة في البلاد.
في 1959 جمعت القضايا الثقافية في وزارة خاصة لكاتب ملتزم كبير له تاريخ نضالي هام هو أندريه مالرو. حيث جرى تجميع عدة نشاطات في وزارة واحدة لزيادة الفعالية. وإن كانت حقبة ما بعد مالرو قد أضعفت من جديد دور تدخل الدولة، فقد عادت الأخيرة مع وصول الاشتراكيين للحكم في 1981 وطموحهم لكسب الانتلجنتسيا والتعبيرات الفنية المختلفة مع المعطيات العالمية الجديدة (الاتحاد الأوربي، تنشيط الفرانكوفونية، محاولات استقطاب الجيل الثاني للمهاجرين..). إلا أن حجم تدخل الدولة أعاد فكرة الدولة المنحازة والانتقائية التي تشجع من تريد ضمن نطاق سياستها العامة في أسبقية للمحسوبيات والولاء على الطاقات والكفاءات. ويبدو ذلك بجلاء في المساعدات التي أعطيت في العقدين الماضيين للمنظمات الثقافية غير الحكومية كذلك في نفقات ومساعدات المؤسسات الخاصة بالفرانكوفونية. وبالتأكيد، فإن الأنموذج الفرنسي هذا ليس مغريا لكل الدول التي تطورت فيها هياكل المجتمع المدني بحيث تهمش دور الدولة وتدخلها في عالم الثقافة. مادام تدخل الدولة يتم عبر اعتبارات سياسوية ومفاضلات ومحسوبيات يمكن تشبيه الدفاع عن تدخل الدولة بتصدير أنموذج المساعدة العامةAssistance Publique ومشافي باريس إلى خارج فرنسا في وقت تعيش فيه هذه المؤسسة القرونوسطية الإدارة أزمة مزمنة وإضرابات متتابعة.
الفرانكوفونية : MECANISMES DE LEGITIMATION?!
تعود كلمة فرانكوفونية francophonie إلى عالم الجغرافيا أونيسيم ريكلوس O. Reclus الذي اقترح في 1880 فكرة تصنيف الشعوب وفق الاعتبارات اللغوية. وبعد عقود من النسيان، عاد التعبير للوجود في 1962 في عدد خاص لمجلة Esprit حول محور “الفرنسية: لغة حية”. حيث وقف إلى جانب الأقلام الفرنسية ثلاثة رؤساء أفارقة متشابهي المواقف من الحقبة الاستعمارية وفرنسا هم الحبيب بورقيبة (تونس) وليوبولد سنغور (السنغال) وهاماني ديوري (النيجر). وليس ثمة خلاف عند المتتبعين في نشأة الفكرة مع تراجع النفوذ الفرنسي في المستعمرات كونها مشحونة بالبعد الإيديولوجي سواء في محاولات فرنسا الحفاظ على مرتكزات ثقافية في مستعمرات”ها” السابقة وبالبعد السياسي القائم على دعم أنظمة حكم عرفت بالمعتدلة أو الصديقة لفرنسا في وجه أنظمة صنفت بالراديكالية أو الثورية.
ولم يكن لهذا الشكل التقليدي الذي لم يقم بعملية الحداد deuil الضرورية على الحقبة الاستعمارية أن يستمر طويلا، بل لعله قد ساهم، بشكل أو بآخر، في تراجع اللغة الفرنسية والوجود الفرنسي في أكثر من منطقة في العالم. ومن المفيد التذكير بالرفض الذي سجله أدباء فرانكوفون من الجزائر توقفوا بكل بساطة عن الكتابة بالفرنسية أو النص المعروف لمجلة Souffles المغربية الناطقة بالفرنسية والتي أشرف عليها الشاعر عبد اللطيف اللعبي الذي نقتطف منه:
” نحن نقول أن الفرانكوفونية تشكل حجر الارتكاز في الاستراتيجية الاستعمارية الجديدة، وإن كنا قد تريثنا في مناقشة بعض الوثائق، فليس هذا لأننا نأخذها على محمل الجد، ولكن لتجنب أن يقع الآخرون في الفخ. أما نحن، فبحكم تجربتنا كمستعمَرين، فقد تعلمنا كيف نميز بين ادعاءات الأيامين الغليظة أو “التحليلات الموضوعية” والأغراض الحقيقية للخصم: الفرانكوفونية بالنسبة لنا تتوافق بشكل طبيعي مع بحيرة السلام والسوق المشتركة: المحصلة التي تعني انبعاث الإمبراطورية الفرنسية، وعليه، فإن الوحيدين الذين يختارون هذا “التثاقف الإجباري” كما كان يقول بعض المبشرين، هم الذين يجمعهم رابط المودة مع الاستعمار الجديد أو الذين يعود عليهم استعمال اللغة الفرنسية بامتيازات بيروقراطية[12].
في الثمانينات والتسعينات، عادت الموسيقى الفرانكوفونية بإيقاع أكثر حداثة ومحاولات انفتاح أكبر على ثقافة الآخر. ولو أنها أضحت في مواقع أكثر دفاعية مع احتلال اللغات الوطنية الصف الأول في معظم المستعمرات الفرنسية القديمة من جهة، وزيادة الهيمنة الأمريكية مع ما رافقها من انتشار للغة الإنجليزية. يمكن القول أنه حتى اليوم، لم تنجح الفرانكوفونية في التحرر من تاريخها القصير الذي يربط بين استعمال اللغة الفرنسية من قبل عدة شعوب وبلدان، وتوظيف هذا الاستعمال من قبل السلطات التنفيذية في فرنسا. لا يعود ذلك فقط إلى كون فرنسا هي الممول الأول للمشروع وملحقاته وسياساته، وإنما بالضبط، لفشل ما يعتبره العديدون إنجازا تم تحقيقه، أي الانتقال من علاقات التبعية الثقافية والسياسية والاقتصادية إلى علاقات الشراكة والتعامل المتساوي مع الآخر. وعندما نقرأ مارك غونتار مثلا يحدثنا عن فضل الأدب الفرانكوفوني اليوم في أن “اللغة الفرنسية لم تعد لغة هيمنة ثقافية أو سلطة محطمة تحاول تحقيق التثاقف عبر إلغاء الآخر. الفرنسية الفرانكوفونية في تنوعها واستعمالاتها المحلية تصبح على العكس من ذلك اللغة التي عبرها يمكن التعبير عن التنوع والاختلاف”[13]. لا يسعنا إلا أن نعقب: جميل أن يبصر المرء في رغباته حقائق!
فبالرغم من أن الفكرة الكلاسيكية التي تتحدث عن اللغة الفرنسية باعتبارها لغة الوضوح والعقل وحقوق الإنسان والتسامح والمشاركة والتنمية لم تعد تأتي أكلها، بل أصبحت في نوادر النقاد صورة شبه طوباوية شبه صوفية تعود لعصر التنوير. إن الخطاب الأكثر عقلانية وحكمة الذي يدافع عنه أشخاص مثل ميشيل غيو M. Guillou الذي يعتبر الفرانكوفونية أولا “الاعتراف بالهويات القومية، بالثقافات الخاصة بكل شعب وأمة ممن يكونون الفرانكوفونية. وهكذا ففي العالم العربي، اللغة الأولى هي بالتأكيد العربية، في فيتنام الفيتنامية، وفي مدغشقر المدغشقرية”[14]. هذا الخطاب الذي يؤكد على ضرورة التركيز على أصول تدريس الفرنسية كلغة ثانية، ما زال يمثل أقلية في وضع عام يحمل تراثا مثقلا بفكرة التفوق اللغوي. ويكفي تتبع وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة في فرنسا لإدراك غياب هذا الخطاب من أعلام يثير المخاوف من كلمة التعريب في الجزائر ولا يتورع عن مهاجمة كل ما من شأنه التأثير على الوضع المهيمن للغة الفرنسية في مستعمرة سابقة. إن مَثَل اللغة العربية في التعليم والمدارس في فرنسا، رغم وجود عدد كبير من الفرنسيين من أصل عربي، يؤكد أن الأمر يتعدى مزاج الصحافة. وحتى في إطار المجتمع المدني والثقافي نجد محاولات تهميش اللغات غير الفرنسية[15].
من الضروري استقراء الأسباب البنيوية والوظيفية والسياسية لهذا العطب:
– على الصعيد البنيوي، لم تنجح المؤسسات الفرانكوفونية، في تحقيق تغطية منطقية منسجمة مع الكم والأهمية اللغوية. فالجزائر غابت حتى اليوم عن هذا المشروع في حين نجد فيه بلدا كبلغاريا!
– على الصعيد الوظيفي، مازالت حدود وغايات الفرانكوفونية هلامية وتسمح بكل الاستنتاجات: فعلى صعيد الإدارة، تنقلت الفرانكوفونية بين الوزارات من الخارجية حتى الثقافة ومن التعاون حتى صيغة وزارة خاصة. وعندما صارت يوما وزارة، كانت المخصصات الأكبر لمهماتها في وزارة الخارجية ولم تكن تحت تصرف وزيرها. هذا على الصعيد الرسمي الفرنسي، أما على صعيد الثقافات المتلقية، يصعب المقارنة بين جماعة “الفن والحرية” Art et Liberté أو مجلة “حصة الرمل La part du sable التي حررها الشاعر جورج حنين في مصر والصحافة الفرانكوفونية في الجزائر. فالأولى ابنة مبادرات ثقافية انعتاقية مستقلة في بلد ارتبطت فيه كلمة الاستعمار ببريطانيا والثانية هي محصلة إدارة الميراث الناجم عن التحطيم المنهجي للغة الوطنية للشعب الجزائري في إحدى أبشع أشكال الاستعمار المعاصر.
– أما على الصعيد السياسي، ورغم كل محاولات تحديث الخطاب والأداء، فمازالت الإيديولوجية المركزية الأوربية، وفي مثلنا هنا تعبيرها الفرنسي، أساس التوظيف والاستعمال اليومي للخطاب الفرانكوفوني. إننا غالبا أمام صورة مثالية عن الذات وصورة سلبية للآخر. ويعبر ستيليو فارانجيس الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للفرانكوفونية في مقالته “الغابة، الصحراء، أو الحديقة”[16] عن هذا الاتجاه حيث يمثل الغاب عنده “العالم البربري لآيات الله” والصحراء “استعمار الكوكا الأمريكي” في حين ترمز الحديقة للحضارة الفرنسية، حيث نشر هذه اللغة يتم في انسجام وتواؤم مع اللغات الأخرى في العالم.
يصف روبير شودينسون السياسة الفرانكوفونية بكونها “مليئة بالتناقضات والمنافسات والمبهمات”[17]. وإن كان البعض يعتبر الفرانكوفونية التعبير الرئيسي لسياسة فرنسا الثقافية في الخارج، فكل ما هو ثقافي يعني البناء البعيد المدى والقدرة على أخذ المسافات الضرورية من السياسة السياسوية. فاللغة عامل أساسي من عوامل ما يعرف بالهوية في مفهومها الدينامي وغير الثابت. أي الهوية باعتبارها نتاج سيرورة تاريخية. بهذا المعنى تحديدا، تداخلت اللغة الفرنسية في الوعي الجماعي للشعوب المستعمَرة مع الإرغام والإلحاق ومحاولات الدمج القسرية. ولا بد لها من عملية غسل دم ومراجعة كاملة القدرة على نقد تاريخ الفرنسة القائم على الهيمنة لوضع الإبهام فعلا وقولا على المشاركة وهمّ الإبداع وطموح الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن غياب هذه المسافة وإهمال لحظة التأمل الضرورية هذه، هو الذي يجعلنا نتوقف عند اجتماع أنماط حكم تضم الديمقراطية المقيدة والدكتاتورية المطلقة في قمم الفرانكوفونية باعتبارها وسيلة تقزيم، باسم الواقعية السياسية، لفرص دور مركزي لفرنسا في الدفاع عن الديمقراطية والديمقراطيين حيثما كان ذلك ضرورة، خاصة في منطقة البحيرات الكبرى وإفريقيا الفرانكوفونية. وما دامت السياسة الفرنسية تجاه المديونية الخارجية تشبه السياسة الأمريكية، من الصعب الحديث عن دور فرنسي في التنمية العامة في بلدان الجنوب ولو شاركت فرنسا لغتها[18].
الخصوصية الحضارية والغزو الثقافي:
بدأ الحديث عن الخصوصية العربية الإسلامية منذ مطلع القرن في خضم الدولة الاستعمارية القديمة والحركة الثقافية المتأثرة بها والتي جرت مقاومتها دائما وفي الخطوط الكبرى عبر تيارين: تيار محافظ ومنغلق على نفسه، وتيار إصلاحي متقبل لأفكار الغير مع التمسك بمقومات ثقافية عامة نابعة من التراث الديني ومنظومة القيم الاجتماعية والاعتقادية السائدة. فمنذ مطلع القرن، خصص جمال الدين الأفغاني كتابا للرد على الدهريين، ونقرأ عند هذا المفكر نقدا حادا للوجود الاستعماري مع حث على اقتباس العلوم والمعارف عند الأوربيين. كذلك فعل عبد الرحمن الكواكبي حين أكد على ضرورة وضع حد للنظام السياسي الاستبدادي العثماني وشجب احتلال العديد من الدول الإسلامية من قبل فرنسا وبريطانيا الأمر الذي لم يمنعه من التعاطف مع تصور اشتراكي ديمقراطي للحكم يجد مشروعيته في الإسلام الأول المناهض بطبيعته لمنظومة الخلافة وأئمة الاستبداد.
يعود خطاب الخصوصية المنغلق إلى مؤسس ومؤدلج الجماعة الإسلامية في باكستان أبو الأعلى المودودي الذي حاول مبكرا التأكيد على فكرة الدولة الفكرية. وهي بوصفه لها دولة توتاليتارية تربط بين السلطات الثلاث في “نظام كل لا يقبل التجزئة”.[19] لقد أصر المودودي على الفصل التعسفي والحازم بين المفهوم الوضعي للدولة والسلطة والقانون، والمفهوم الإلهي. وتابع أكثر من إسلامي خطه في التأكيد على الإسلام كإيديولوجية، وبالتالي كاستراتيجية سلطة، مغيبين الطابع المتعدد للثقافة الإسلامية ومختزلين المعطى الديني إلى مجرد قراءة حرفية ومقننة ومبسطة. وفي كل مراحل الأزمات في تاريخ الشعوب، يسهل الاستماع إلى اللغة المبسطة والديماغوجية خاصة في ظروف معيشة متردية وسيادة “حالات طوارئ” تتآلف بسهولة مع إيديولوجية الطوارئ هذه.
لو أخذنا أهم الكتب التقليدية والأصولية التي تحاول تناول موضوع الخصوصية الحضارية الإسلامية، لوجدنا نفس الموضوعات تتكرر وأحيانا بعبارات شبه حرفية. فمنذ اللحظة التي يقر بها الكاتب بقراءة إيديولوجية للإسلام، نجده يتطرق لما أصبح معروفا بالشبهات أي الوضع الدوني للمرأة ومشكلة زواج المسلمة من غير المسلم وتعدد الزوجات وحقوق غير المسلمين وعقوبة المرتد والموقف من العبودية وموضوع تبني الأطفال والعقوبات الجسدية وحكم الإعدام. ولن يعدم الكاتب عدة أحاديث تؤكد على أن لا شفاعة في حدود الله[20] !
بمجرد الخروج من هذه النقاط المحرمة في الخطاب الأصولي(باسم احترام حدود الله والشريعة)، لا نجد أي نقاش حول الخصوصية في إطار حقوق الإنسان يستحق الذكر. وينتقل النقاش إلى ما يمكن تسميته بمخاطر الغزو الثقافي الغربي حيث يجري التأكيد أكثر على الاستعمار الثقافي والتبشير والاستشراق.
“تتميز” الخصوصية الإسلامية (الدينية الطابع) عن الاستثناء الثقافي الفرنسي (العلماني الطابع) بامتلاكها سلاحا ماضيا إضافيا اسمه المقدس. أما إضفاء أصحابها للصبغة الإلهية لمفهومهم الذاتي للإسلام يجعلهم يدخلون في الحلقة المغلقة للتفسير الأحادي الذي يرفض ما سواه ولا يمتنع عن نعت مخالفيه بالكفر والشرك والزندقة. يصعب القول بأن الخطاب الأصولي حول الخصوصية خطاب متفرد ومتميز بالفعل، بل نجد تقاطعات أساسية بين اليهودية والإسلامية في هذا المجال. فكلا القراءتين الإيديولوجيتين تؤكدا على تفوق النحن تجاه الآخر، وبالتالي تفوق المفهوم الديني على المفهوم البشري لحقوق الإنسان. وتدعما هذا التفوق بفكرة أن الإنسان اليهودي مسؤول[21] والمسلم مكلف شرعيا[22]، في ربط بين الحق والفريضة الإلهية يحول دون تعميم الحق، أي شموله لكل البشر وليس فقط للمؤمنين بدين.
المجددون والخصوصية
كون الخطاب التقليدي والأصولي قد أصبح معروفا، سننتقل إلى الخطاب التجديدي في الحديث عن العلاقة بين الحضارات وعلاقتها بحقوق الإنسان. فبرأينا هذا الخطاب ينتمي للعصر والمستقبل وهو لا يحمل فقط بذور الإصلاح الثقافي والأخلاقي الداخلي، بل وعود تتخطى حدود العالمين العربي والإسلامي.
في مقابل خطاب اختزالي ومنغلق على نفسه وعلى النصوص، نجد خطاب الإصلاح الإسلامي في الخصوصية الحضارية أكثر دينامية وعقلانية في التعامل مع التراث والميراث وأكثر ثقة بالنفس في التعامل مع الآخر. وإن كان لعبد القادر الجزائري الفضل في فتح ملف الحوار بين الأديان والحضارات في معتكفه الدمشقي، فللأفغاني دون شك، يعود الفضل في كسر أهم الحواجز النفسية التي تحول دون خوض معركتي مراجعة اكتشاف الذات والجرأة على اكتشاف ومقارعة الآخر بآن معا. الجيل التالي من الإصلاحيين سيضم في رحاه علي عبد الرازق والطاهر حداد وعبد الله العلايلي.. أي الأسماء التي ربطت بين النهضة العربية الإسلامية وضرورة تحرير الإنسان والدولة واللغة والدين من مخلفات عصور الانحطاط. وبالتالي، فقد اعتبر ما انتزعته الشعوب الأخرى من حقوق حقا مكتسبا للعرب والمسلمين. وإن كانت مدرسة الإخوان الجمهوريين قد سارت على خطى التوافق بين معطيات العصر الحقوقية والمعطى الإسلامي، فإن أكثر الأطروحات تماسكا في الخصوصية الحضارية والتراث جاءت من مثقف مسلم إيراني طرح خلاصة تصوره في محاضرات ألقاها في بيروت أواخر عام 1996 بدعوة من الحركة الثقافية في انطلياس (جماعة علمانية ديمقراطية) ودار الندوة. سنتوقف في هذه المداخلة عند الدكتور محمد خاتمي، قبل نجاحه في انتخابات الرئاسة الإيرانية، دون التطرق لدوره السياسي في إيران والعالم الإسلامي اليوم.
يؤكد الدكتور خاتمي على جملة أفكار أساسية في العلاقة مع التراث هي[23]:
1- “الأمة التي تفتقد إلى التراث ليست أكثر من جماعة غير واعية عديمة الفكر والإرادة”.
2- “لا يمكن مصادرة التراث أو القضاء على أساسه بقرار يصدره أهل الفكر والسياسة”.
3- “التراث، كما هي الحضارة، شأن بشري يستحق التغيير وإن آمنا بأبعاد ثابتة في مجال حياة الإنسان المعنوية والعقلية والإرادية، فإنه يجب القول، بأن جانبا مهما، إن لم نقل جميعه، مما نصطلح عليه بالتراث، هو نتاج بشري متأثر بالظروف الاجتماعية والتاريخية للمجتمعات، وبالتالي فهو عرضة للتغيير وليس مقدسا وخالدا”.
4- “إن تحول التقاليد المستمر، أحيانا بحركة متسارعة وأخرى بطيئة، على مّر التاريخ، هو أكبر دليل على أنه لا مفر من التحول والتغيير”.
5- “إن الإبقاء على التقليد الذي انتهى عصره يعني فرض إطار ضيق على كيان الإنسان وروحه اللذين يتسعان إلى ما لا نهاية. وإذا ما تحقق مثل هذا، ليس على المدى البعيد، فإنه يعد خيانة بحق وجود الإنسان ويلحق ضررا بروحه”.
6- “لم لا نحاول إيجاد علاقة جديدة مع الوجود بذهابنا إلى أبعد من الحاضر، وذلك بالتسلح بنقد الحداثة والتراث معا، وأن نكون أصحاب رؤية جديدة نقيم على ضوئها حضارة جديدة، وأن نمثل نحن مرحلة جديدة في حياة الإنسان، في وقت نرتكز فيه إلى ماضينا الذي أنتج حضارتنا ونستفيد من معطيات الحضارة الحديثة الباهرة؟ لا سيما وأننا نمتلك في التاريخ سابقة حضارية تركت بصماتها على مصير العالم والإنسان”.
يؤكد الدكتور خاتمي على دنيوية الحكم وبالتالي نسبيته وبشريته، معتبرا أهم خدمة للدين في عصرنا، تكمن في التمييز بشجاعة بين جوهر الدين كشأن سام ومقدس، وتصورات الإنسان عنه، والتي هي أمر محدود ونسبي ويدركها التغير. وهو يعتبر الديمقراطية الأنموذج الأفضل للناس أو الأقل ضررا من مناهج الحكم. ومن هذا المنطلق يؤكد على ضرورتها للمجتمعات الإسلامية، ويبصر في التنمية عملية متكاملة تقوم على الأسس التالية:
“أولا: لن يكون أي تحول إنسانيا وفاعلا ما لم تكن هناك مشاركة إرادية واعية للبشر في إيجاده.
ثانيا: يتمثل الشرط الأساسي في حضور الإنسان ومشاركته الواعية الحرة في ظاهرة التقدم والتغيير، بوجود فكر مستقر ثابت في المجتمع.
ثالثا: لن يتحقق وجود فكر مستقر وفاعل، (بعنوان كونه تيارا متجددا وحيا في المجتمع)، إلا في إطار الحرية.”[24].
يتجاوز الدكتور خاتمي في أطروحاته الجدل العقيم الملغوم الدوافع في أوساط المتزمتين حول تناسب أو عدم تناسب دولة القانون وحقوق الإنسان والديمقراطية مع الإسلام. وهو بتأكيده على دور حضاري جديد، يتخطى عقم الداعين للعودة إلى التراث وقصور المقلدين لحضارة غربية متأزمة. ليفتح النقاش حول نهضة جديدة وحضارة إنسانية مبتكرة. ولعله في طرحه هذا، يفتح الباب واسعا للحوار النقدي والبنّاء، بين رواد الإصلاح الإسلامي والمدافعين عن حقوق وكرامة الإنسان.
أخيرا، وبعيدا عن الثقافة ونسبيتها، هناك جانب هام يجب التذكير به والتوقف عنده، يتعدى البعد النظري والحقوقي لموضوع عالمية حقوق الإنسان. هذا الجانب يكمن في أن هذه الحقوق كانت استجابة لحاجة، و “رد براغماتي” باستعارة تعبير سامي زبيدة[25]، لتلبية هذه الحاجة للحد الأدنى للكرامة البشرية والسلام الأهلي والاستقرار. فعندما ناضل الفرنسيون أو الأمريكيون من أجل تثبيت حقوق معينة، كانت مشكلتهم الأولى تطبيقها في بلدانهم وليس تصديرها لهدم الأسلام أو إنهاء صرح الكونفوشية أو الشيوعية في الصين. ولو عدنا للتجربة العربية القصيرة، لوجدنا أن هذا الجانب البراغماتي – الذي أسميته مرارا الشعبية القائمة على الحاجة- هو الذي جعل هذه الحقوق تصعد إلى مواقع الصدارة في البلدان العربية والإسلامية مع ازدياد الانتهاكات والاعتداءات بحق الأفراد والجماعات ومصادرة السلطة التنفيذية-الأمنية للدولة والمواطنة والثروات. وليس من الغريب، في وضع كهذا، أن يؤكد المعسكر التسلطي على دعمه لمفهوم معين للخصوصية يقيد ما أصبح متعارفا عليه كحقوق أساسية ويقزم أبعاد ما أصبح ملكا للبشرية جمعاء، بغض النظر عن الجنس والدين واللغة.
ليس هناك من خطر على الخصوصيات الخلاقة والمعطاءة من حقوق الإنسان، كون هذه الحقوق تؤكد على المساواة وحق الاختلاف بين الثقافات والشعوب، الخطر الحقيقي، هو حرمان هذه الشعوب، من حقوقها الأولية باسم أية خصوصية يتم تفصيلها على قّد امتيازات السلطة السياسية هنا أو السلطات الأبوية والتقليدية هناك وأية عالمية موظفة للهيمنة على حساب المبادئ.
—————————–
هذا البحث يقع ضمن جملة أبحاث عن العالمية والخصوصية تنشر في الجزء الثاني من الموسوعة العالمية المختصرة: الإمعان في حقوق الإنسان. وقد تم تحريره للدورة السنوية الثانية التي نظمها المركز الشبابي المغربي لحقوق الإنسان المغرب-أغادير 29 مارس إلى 4 أبريل2000.
[1] ديوان بدر شاكر السياب، المجلد الأول، دار العودة، 1995، ص511. كان أبو الهول في الأسطورة يحرس مدخل مدينة طيبة ويلقي على كل غريب يداخلها سؤالا: “ما الكائن الذي يمشي على أربع في الفجر واثنتين في الظهيرة وثلاث في المساء” وقد حّل أوديب هذا اللغز وكان الجواب: الإنسان.
[2] Encyclopédie Universalis, art. Morale, Eric Weil
[3] اولريش بك، ما هي العولمة، منشورات الجمل، 1999. والاستشهاد لماركس وانجلز من البيان الشيوعي.
[4] Cité par : Armand Mattalart, Mondialisation et culture, Encyclopédie Universalis.
[5] Voir : Max Horkheimer & Theodor W. Adorno, Kulturindustrie, Dialektik der Aufklärung, Philosophishe fragmente, Social Studies Association,Inc., New York, 1944. Pour la traduction française : La dialéctique de la raison, gallimard, 1974, pp. 129-176
[6] Voir à ce propos : M. Mélot, La notion de l’originalitéet son importance dans la définition de l’objet de l’art, in Sociologie de l’art, Documentation française, Paris, 1986. N. Moureau et D. Sagot Duvauroux, Les conventions de qualité sur le marché de l’art : d’un académisme à l’autre, Esprit, Octobre 1992. Joëlle Farchy, La fin de l’exception culturelle ?, CNRS, 1999, P. 11.
[7] Joëlle Farchy, op.cit. P.241.
[8] Jacques Rigaud, L’exception culturelle, culture et pouvoirs sous la Ve République, Grasset, Paris, 1995, P. 17.
[9]Voir: A. H. De Mesnard, L’action culturelle des pouvoirs publics, Librairie générale de droit et de jurisprudence, 1969, Paris.
[10] Voir à ce propos: Jean-Pierre Worms, La crise du lien social, le problème du chaînon manquant, EMPAN, N° 32, Décembre 1998.
[11] Joëlle Farchy, op. cit., p. 173.
[12] Souffles, Mars-Avril, 1970.
[13] Marc Gontard, L’espace francophone à l’épreuve du regard, in : Regards sur la francophonie, PUR, Rennes, 1996, P.19.
[14] Michel Guillou, Progrès ou déclin de la francophonie, in : Une francophonie différentielle, l’Harmattan et Université St Joseph, 1994. P. 17.
[15] كان من السهل جدا، في منظمة دولية باريسية، وضع حد لتجربة الإصدار باللغة العربية في 1998 رغم الأهمية الكبرى لهكذا مشروع. في الوقت الذي كان يعتز رئيس المنظمة بكونها أكبر منظمة فرانكوفونية لحقوق الإنسان!
[16] Stélio Farandjis, Jungle, désert ou jardin ?La francopolyphonie au coeur de la polyphonie universelle, BBC, Radio, 4-5 oct.1994. Voir : Trevor Jones, Francophonie et discours performatif, in Regards.., op. cit. P. 55.
[17] Robert Chaudenson, La politique francophone : Y a-t-il un pilote dans l’avion ? , in Regards.., op. cit. P. 39.
[18] يعتبر أكثر من ناقد فرنسي أن الفرانكوفونية خسرت ذراعها الأيمن في حرب الخليج، ويمكننا القول بأريحية أنها خسرت ذراعها الأيسر في بير زيت عندما تم اختزال مقاومة الاحتلال في تعبير “الإرهاب” والديمقراطية إلى شكلها الطائفي والعنصري القائم في إسرائيل لأسباب انتخابية بحتة. وللتأكيد على أن الفرانكوفونية في ذهن رجل السياسة هي رهينة السياسة الفرنسية اليومية والحسابات الداخلية والانتخابية، يذكّر رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان أعضاء الجمعية العمومية الفرنسية في سياق دفاعه بوجود عدد من الفرانكوفون يفوق النصف مليون في إسرائيل!
[19] انظر : هيثم مناع، الأصوليات الإسلامية وحقوق الإنسان، في الإيديولوجية المودودية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 1999، ص 31-32-33.
[20] أنظر على سبيل المثال لا الحصر: كتاب “الحجاب” وكتاب “نظرية الإسلام وهديه” للمودودي كذلك كتابه:
Human Rights in Islam, Islamic Foundation, Leicester. UK. محمد قطب”شبهات حول الإسلام” ، علي عبد الواحد وافي، حقوق الإنسان في الإسلام (1957)، الإسلام وحقوق الإنسان (ندوة علمية بين رجال دين من السعودية وأساتذة قانون من أوربة 1973). محمد فتحي عثمان: حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي(1982). محمد الحسيني مصيلحي، حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي. محمد مصطفى الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام، دراسة مقارنة، 1997. سعيد محمد أحمد باناجة، دراسة مقارنة حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونصوص الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، 1985. صبحي محمصاني، أركان حقوق الإنسان: بحث مقارن،1979، محمد الغزالي، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام والأمم المتحدة. الشيخ محمد علي التسخيري: حقوق الإنسان بين الإعلانين الإسلامي والعالمي (1995). عبد الرحمن حسن حبنكة، أجنحة المكر الثلاثة (التبشير الاستشراق والاستعمار-1975).
[21] الحلقة الدينية المسائية لإذاعة شالوم، باريس، 1/3/2000 ، الحاخام جيلبر نايم.
[22] انضم للشيخ محمد الغزالي محمد عمارة في هذا المفهوم. أنظر : الفلسفة الإسلامية المتميزة، في: الأبعاد الثقافية لحقوق الإنسان في الوطن العربي، مركز ابن خلدون، 1993، ص 151 وما بعدها. ودراسته: الطيب والخبيث في حقوق الإنسان.
[23] جملة الاستشهادات الواردة مأخوذة من كتاب: د. محمد خاتمي، مطالعات في الدين والإسلام والعصر، دار الجديد، طبعة ثالثة، 1999.
[24] نفس المصدر، ص 144.
[25] Sami Zubeida, « Human Rights and Cultural Difference ». in : Peuples Méditerranéens, n° 64-65, Jul.-Déc. 1993, P.282.