أبريل 14, 2024

توضيحات حول الحقوقي والسياسي و إعلان دمشق

damascصديقي العزيز كمال تحية حقوقية وكل سنة وأنت بخير وكل المعتقلات مغلقة والحريات متقدمة وبعد،

معك حق، هناك خلط  أحيانا متعمد وأحيانا غير واضح المعالم أولا بين الحقوقي والسياسي وأحيانا أخرى بين النضال الديمقراطي والبرنامج السياسي لحركة ديمقراطية والذي هو بالضرورة أشمل وأكثر استيعابا لضرورات بلد معين تعيش واقعا محدد في زمن محدد.

هناك ضابط أمن وضع تقريرا عن الشعب الكردي في سورية يوما، وكان في هذا التقرير ثلاثة عوامل لجريمة ضد شعب: العامل الأول التخوين المسبق والجماعي، العامل الثاني قبول مبدأ الحرمان من أهم ما يميز المواطن في الأزمنة الحديثة أي الجنسية، والعامل الثالث دعوة صريحة للتجهيل الجماعي. ورغم أن هذا الضابط برأيي لم يقرأ ويكتشف ما كتب أتباع موسوليني والفاشية الإيطالية، فإن بالإمكان أن نعثر على بصمات المدرسة نفسها في إيطاليا حيث لا عرب ولا كرد. فالمشكلة في المنطق الاستئصالي أنه ينطلق من مسلمات يعتقد بأنها نهائية وثابتة غير قابلة للنقاش، هذه المسلمات تسمح له بتكفير أو تخوين من يتعارض معها، وبالتالي يصبح واجبا حرمان هذا الآخر من كل أسلحته الإنسانية السلمية من الجنسية إلى حق السفر إلى حق المسكن والتظاهر والاجتماع والتعبير عن تصور آخر للذات والعالم. لقد كان هذا المنطق وما زال سببا أساسيا لاختياري موقع المعارضة للسلطة الحاكمة، وسأناضل بكل ما أستطيع لحؤول دون انتقال هذا المنطق من معسكر القامع إلى معسكر المقموع في أي مكان وأي بلد وفي كل الأوقات.

دخلت خيمة المعارضة انتصارا للحريات منذ عام 1970 عندما شاركت بمظاهرة ضد وصول وزير الدفاع إلى قمة السلطة بانقلاب سمي الحركة التصحيحية حمل القيادة الحزبية والسياسية في سورية إلى السجن لتنضم لقرابة 520 معتقل سياسي من البعث القيادة القومية والاشتراكيين العرب وحزب العمال الثوري وعدد من الناصريين ومجموعة ضباط منشقين. يومها قال لي صديق من الذين يعرفون في سورية باسم حركة 23 شباط : “الجيش سيحكم البلد هيثم علينا نسيان خلافاتنا الجانبية” فخرجت في التظاهرة. منذ ذلك اليوم وبطاقة هويتي تتلخص بكلمتين “المعارضة الديمقراطية”. وكان ذلك قبل أن أشكل في 1978 أول جمعية للدفاع عن المعتقلين السياسيين، وقبل تشكيل حلقة ماركسية في 1971. وبهذه الصفة التقيت الدكتور جمال الأتاسي في عيادته قرب مقر رئاسة الوزراء، فقال لي جملة يصعب أن أنساها: “نحن في مرحلة انتظار لمعرفة خيار السلطة، فإن قبلت معنا بمبدأ توسيع الحريات السبيل الأفضل للوحدة والاشتراكية، سنبقى معها وتكون وقتها بحاجة لكم كمعارضة لأن الجبهة الحاكمة تأخذ قوتها ممن ينقدها لا من الذين يصفقوا لها”. 

تسألني : هل يجوز للناشط الحقوقي الانتساب إلى تجمع معارض والعمل معه أم لا وهل هناك فرق بين العملين وما هي قراءتك لهذا الامر؟نعم يا صديقي يجوز له الانتساب لتجمع ديمقراطي معارض ينسجم مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ولا يتعارض معها. ففي التجربة الأمريكية الشمالية العديد من الشخصيات الحقوقية التي تحمل بطاقة حزبية، كذلك في التجربة الأوربية والإفريقية. في بعض التجارب الآسيوية يحبذ الفصل قدر الإمكان في المواقع القيادية بحيث لا نجد في قيادة اللجنة الباكستانية لحقوق الإنسان حزبيا في حين تولى المحامي مايكل إلمان رئاسة ليبرتي المنظمة البريطانية لحقوق الإنسان وهو عضو غير قيادي في حزب العمال البريطاني. في إفريقيا يوجد كل شئ. في اللجنة العربية لحقوق الإنسان لا يجوز قيادة حزب أو جبهة والاحتفاظ بمنصب الرئاسة أو الأمين العام أو المتحدث باسم اللجنة. من هنا يقود الصديق منصف المرزوقي حزبا سياسيا وهو في قيادة اللجنة العربية لأنها منظمة إقليمية يقوم فيها بدور عربي حيوي في حين أن الحزب الذي يقوده تونسي. وعندما كنت قياديا في لجنة العمل الوطني السورية تسلم الملف السوري في اللجنة العربية زميل آخر حتى انحلت لجنة العمل الوطني. المنطلق عند كل الحقوقيين والسياسيين أن الحقوقي مشروع سلطة مضادة دائمة، أي أن مهمته مراقبة أداء السلطة وتشريحه وتقييم مدى انسجامه مع حقوق الإنسان. فإذا قرر الترشح لوزارة أو مجلس نيابي أو سفارة عليه تجميد عضويته أو الاستقالة. وهذا ما طالبنا به المرحوم جوزف مغيزل رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان عندما تعين وزيرا في لبنان، كذلك طالبنا المحامي علي يحيي عبد النور بأن يختار بين متحدث باسم إعلان روما للمعارضة الجزائرية ومنصب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان. لهذا مثلا تجد أن منظمات حقوق الإنسان الجدية في الولايات المتحدة الأمريكية ترفض مقابلة الرئيس الأمريكي ورفضت مقابلة وزراء العدل الثلاثة في ظل حكمه بل واعترض بعضها عند المحكمة العليا والكونغرس على تسمية وزير عدل يقبل بممارسة وسائل تعذيب. وهي تشاركنا في دعوة قضائية ضد وزير الدفاع رامسفلد. في حين يأتي كثير من أسماء غير معروفة لا في أوساط حقوق الإنسان ولم تزر بحياتها معتقلا وليس لها تقارير أو بعثات أو تاريخ نضالي لزيارة البيت الأبيض وعلى صدرهم تعريف “ناشط في حقوق الإنسان”. أوساط حقوق الإنسان الجادة تعرف هذه اللعبة من إدارة بوش وغيرها ولكن لا تسقط فيها وتسمي هؤلاء جماعة One Man Organisation. إشارة إلى مدرسة تشجع عليها الإدارات الأمريكية تقوم على خلق أشخاص لا جذور لهم سواء في النضال أو مجتمعاتهم، وبذلك تستبدل ما يسمى بالمجتمع المدني بالمجتمع المرتهني، أي من تصنعهم للولاء وتضع حدا لهم عندما يختلفون معها.

 بالطبع لا يوجد حماية أو شهادة اسمها مناضل حقوق الإنسان والناشط الحقوقي مثلنا في ذلك مثل المحلل النفسي وهو تعريف لا يحدده القانون ولا يحمي استعمال الكلمة عرف. كل شخص في أوربة نفسها يستطيع أن يكتب وراء اسمه محلل نفسي، وكل شخص في العالم يستطيع أن يكتب على بطاقة زيارته “ناشط في حقوق الإنسان والمجتمع المدني”، الأمر الذي لا يضير المناضلين فعلا وقولا، ويترك للناس حق التقييم.

الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان بادرت في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي للدعوة إلى الجبهة الشعبية كجبهة تقدمية تجمع الأحزاب والنقابات والمنظمات غير الحكومية التي تطالب بتعزيز الحريات السياسية والمدنية وتطالب بحقوق اقتصادية واجتماعية.

هناك من يقول اليوم بأن المعركة الأساسية هي التخلص من الدكتاتورية وبالتالي نحن بحاجة لأوسع جبهة ممكنة دون الدخول في عناصر التفرقة. هذا المبدأ من وجهة النظر الحقوقية غير سليم. فحقوق الإنسان لا تتجزأ ولها نواة صلبة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية والمدنية. من هنا لا نقبل بالتكتيك فيها، وإلا لقبلنا مثل الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية بممارسة التعذيب بدعوى الحرب على الإرهاب. في التاريخ المعاصر، هناك تجارب مهمة في هذا الشأن منها التجربة الفرنسية. ففي ظل الاحتلال النازي، اتفق المجلس الوطني للمقاومة في فرنسا على عدم التطرق لقضية العلمانية في النص، معتبرا مدنية الدولة عنصرا جامعا لمكونات المجتمع الفرنسي، ولكن المجلس أقر بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية في برنامجه، وليس فقط التخلص من النازية، ولهذا انضم له قيادات من الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان ودفع فكتور باش رئيس الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان وزوجته المناضلة معه حياتهما ثمنا لذلك حين قتلتهم الميليشيات التابعة لحكومة فيشي وكان عمرهما فوق 82 سنة. 

لقد وقع ناصر الغزالي وأنا من اللجنة العربية لحقوق الإنسان على إعلان دمشق كوثيقة جامعة اعتبرت احترام حقوق الإنسان في سورية هدفا مركزيا. لكنني لم أرشح نفسي لأي منصب لتعارض ذلك مع دوري كمتحدث باسم اللجنة العربية.  ولم أتابع في هيئات لأنني تجنبت الدخول في خلافات تتجاوز دوري وقناعاتي. وقدمت أكثر من ملاحظة في أكثر من مقالة على الأمانة العامة والمواقف السياسية. ولكننا وحتى بياننا الثلاثي (الغزالي،حبو، مناع) اعتبرنا البقاء في خيمة الإعلان ضرورية لتعزيز صوت المعارضة الديمقراطية.

ما قررناه اليوم هو التجميد وليس الانسحاب، والفارق بينهما أن التجميد يعني عدم الموافقة على سياسة وسلوك دون الذهاب لحد الانسحاب أو الاستقالة، وفتح باب الحوار لدراسة إمكانيات تغيير وضع نعتبره غير طبيعي ولا نقبل بتحمل المسئولية السياسية عنه.

بكل الأحوال، نحن في مرحلة حرجة وصعبة من تاريخ بلدنا، ونأمل عبر النضال الصلب لإغلاق ملفات أساسية مثل الاعتقال التعسفي وغياب حرية التعبير والتجمع والتنظيم أن نتمكن من الانتقال لمرحلة أرقى، تتحول فيها مهمة الناشط الحقوقي لمساءلة السلطة والمعارضة عن برنامجهما عشية أية انتخابات، وتحديد موقفنا كمواطنين في صندوق الاقتراع ونحن نراقب حسن الأداء الديمقراطي.

08-01-2008