أبريل 22, 2024

مقاربة غير نمطية للإرهاب والحرب عليه

terriorism1كأي تعريفٍ سياسي الدوافع والأصول، يشكل الإرهاب مادة دسمة للخلاف. ولا ندري هل من سوء طالع البشرية أم حسن حظها، أننا لم نصل بعد لقاموس عالمي مشترك لكل المفاهيم.

فمن الصعب أن يلتقي متحاربان على تعريف للإرهاب، وتتطلب دقة التعريف ليس فقط اتفاق بعض بيروقراطيي الأمم المتحدة على صياغة محددة، بل مشاركة واسعة للمجتمعات المدنية على الصعيد العالمي تشمل إعادة النظر في قضية الإنسان والعنف من جهة، وما يترتب على الاستعمال السيئ للسلطة من جهة ثانية.

في الدراسة التي قام بها الهولنديان أليكس شميد وألبرت يونغمان وتناولت 109 تعريفات للإرهاب، لاحظ الباحثان أن العنف هو العنصر المشترك في 83% من الحالات أما الهدف السياسي فيشكل 65% والتخويف والترهيب 51%. ولا يختلف هذا عن تعريف بوش الأب للإرهاب في العام 1986 بالقول “هو الاستعمال غير الشرعي أو التهديد بالعنف ضد الأشخاص والممتلكات لخدمة أغراض سياسية أو اجتماعية.

الغاية عموما هي ترهيب أو دفع حكومة أو جماعة أو أفراد لتغيير موقفهم وسلوكهم السياسي. التعريف الرسمي البريطاني مشابه كذلك حال مكتب حماية دستور جمهورية ألمانيا الاتحادية.

لقد شغلت قضية الإرهاب المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة منذ ولادتها. وكون الإرهاب، في إحدى صوره، وسيلة التعبير اليائسة والخرقاء لمن لا وسيلة متكافئة لديه للتعبير عن الذات كانت الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية مجمعة على إدانته منذ الأربعينيات.

في حين اعتبرت دول العالم الثالث، مؤيدة من الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، العنف المسلح للدفاع عن أرض محتلة أو عدوان خارجي أو مناهضة الاستعمار قضية مشروعة.

الإرهاب، باختصار، عمل لا يخضع لضوابط القانون الدولي يعتبر العنف وسيلة سياسية في الحرب الباردة أو الفعلية مع العدو، وبهذا المعنى، علينا القول:

أولا: الإرهاب ظاهرة عالمية، وليس ظاهرة محصورة بشعب أو دين أو بلد أو لون سياسي.

وثانيا: ظاهرة شاملة، أي غير محصور بالجماعات ويشمل الدول.

أما ثالثا: وكما تسلم العلوم الاجتماعية النفسية، فإن أي ظاهرة يكون العنف فيها السمة الأكثر اشتراكا في الوعي الجماعي تحمل كل الأوهام الممكن إنتاجها عبر وسائل تلقي المعرفة والمعلومة في عصرنا وبالتالي فهي موضوع احتواء وتوظيف سهل بالضرورة لأن بناء ثقافة الخوف أسهل بكثير من بناء ثقافة الثقة بالآخر ودغدغة غرائز الحرب أقوى من زراعة شتلات السلام.

الإرهاب صناعة ضرورية لتسريع وتيرة إعادة هيكلة خريطة المصالح والانتقال من مشاريع العدالة الانتقالية إلى تطبيق مبدأ “العدالة” الانتقائية.

لقد تحول الإرهاب في خمس سنوات إلى المركز الأول للتدريب اليومي للحكومات غير الشرعية على دروس طاعة القوة الكبرى وتدجين لأصوات مناهضة العولمة الوحشية الطائشة والصبيانية (لأنها لا تهتم بأرواح الأبرياء).

الإرهاب لم يعد فقط القضية الخطيرة بل القضية الحيوية، أي أن إستراتيجية مواجهته لا تهدف لسحق العدو بل لإبقائه حيا لأن سحقه يعني نهاية حرب مفتوحة عليه.

يعتبر فرنسوا هرسبورغ الإرهاب تعبيرا طبيعيا عن تضخم دور الفرد في العولمة وترافق هذا التضخم مع توزيع غير متكافئ للتعريف عن الذات الثقافية والإيديولوجية، وهو يتوقع أن يتزايد بشكل كبير في السنوات العشر القادمة مهما كانت وسائل المعالجة والمواجهة والحرب عليه. في حين يختصر بودريار إشكاليته باعتباره “صدام العولمة مع ذاتها”.

أما بقايا “أممية مبدعي الأوضاع” فيقولون في بيان بمناسبة الذكرى الخامسة لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول إن المشهد يحتاج إلى الإثارة الضرورية التي يقدمها الإرهابي، فإذا ما تعزز ذلك بتصورات فانتازية ترتبط برهاب الإسلام، يخرج الغربي من حالة التخمة المادية والفقر الروحي والملل المزمن في متابعة سخافات الحياة اليومية شمال أميركا وغربي أوروبا إلى حالة الاستنفار لمواجهة خطر داهم، وهميا كان أم حقيقيا، لا يهم، فهو داهم في كل الأحوال.

ورغم هامشية هذه المجموعة، يعد تعريفها أكثر طرافة وربما عمقا من الجمعية العامة للأمم المتحدة التي سعت لتعريف الإرهاب بطريقة واسعة، فاعتبرت أنه يشمل فيما يشمل الأعمال والوسائل والممارسات غير المبررة التي تستثير رعب الجمهور أو مجموعة من الأشخاص لأسباب سياسية بصرف النظر عن بواعثه المختلفة. لقد ركبت الطائرة من مطار هيثرو البريطاني يوم 11 سبتمبر/ أيلول فطلب مني ككل الركاب خلع الحذاء وأخذوا مني الدواء الذي أحمله وزجاجة ماء صغيرة ومرهم لآلام الظهر. المهزلة أنني اشتريت بعشرين جنيه كل ما أخذوا مني من الصيدلية الداخلية وأفرطت في حمل السوائل نكاية. لكنهم سجلوا نقطة على كل راكب: نحن في حرب على الإرهاب واليقظة مطلوبة وأمن الدولة في خدمة المواطن حتى بأساليب حمقاء.

يمكن القول إن أسس مكافحة الإرهاب قد زرعت في القانون الدولي في 12 إعلانا ووثيقة صادرة عن الأمم المتحدة. حيث ثمة إدانة واضحة لأعمال الإرهاب الدولي ووجوب ملاحقتها، مع تركيز على موجبين أساسيين على الأقل يقتضي أن تلتزم بهما جميع الدول هما:

1- ألا تشجع ولا تتورط على إقليمها أو خارجه بأي نشاط إرهابي ذي أغراض سياسية.

2- أن تقوم بكل ما يساعد في منع أو معاقبة أي نشاط إرهابي يقع ضمن إقليمها أو يكون مرتكبا ضمن هذا الإقليم.

لقد صدرت في إطار القانون الدولي مجموعتان من الأحكام الدولية الملزمة التي تدين الإرهاب الدولي وتطالب بملاحقة مرتكبيه الأفراد ومحاسبة الدول التي ترعاه بشتى الوسائل أو تحرض عليه مباشرة أو غير مباشرة:

إن القانون الدولي حرص على تعريف الإرهاب بحيث يشمل الأفراد والدول كذلك، وطلب بإدانة الاثنين معا. على هذا الأساس، فإن ثمة نوعين من الإرهاب الدولي، وإن تكاملت عناصرهما في بعض الأحيان وتداخلت، بحيث يصبح العمل الإرهابي نتيجة سياسة حكومية ينفذها الأفراد:

-إرهاب الأفراد الذين يرتكبون العمل الإرهابي مباشرة، وهو العمل الموصوف في الاتفاقات الدولية أو القرارات التي مر ذكرها حول هؤلاء الأشخاص وفقا للقانون الدولي وبصرف النظر عن قوانين بلادهم.

– إرهاب الدولة، وذلك عندما تخالف المبادئ الأساسية والأحكام المستقرة في القانون الدولي. بما في ذلك أحكام قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

مؤدى ذلك أن تصبح الدولة المتورطة في عمل إرهابي، بشكل مباشر أو غير مباشر، مسؤولة أمام القانون الدولي وما يحدده من جزاءات وتعويضات عن الأضرار التي تلحقها بالدولة أو بالدول الأخرى أو بأفرادها.

كما شكلت الحرب العالمية الثانية مرجعا دوليا في قضايا جرائم الحرب وأعطت اتفاقيات جنيف الرابعة، أفادت الشعوب المناضلة من أجل تحررها من الحركات المسلحة لمقاومة النازية كمثل ومرجع لإدانة الاحتلال والحق في التحرر من الاستعمار وتقرير المصير.

جاءت المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة والمادة الأولى من العهدين الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخاص بالحقوق السياسية والمدنية لتؤكد على هذا الحق. فكما يذكر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن هذه الحقوق إنما أقرت “لكي لا يلجأ المرء في آخر الأمر إلى التمرد”.

وكما أن الإرهاب مصطلح يعاني من مشكلة قانونية وسياسية وسوسيولوجية، فإن ما يعرف باسم الحرب ضد الإرهاب يشكل حالة خارجة عن القانون الدولي الذي تناول أشكال الحروب التقليدية والحروب الأهلية. وبسبب ما يحمل من ضبابية فهو يدخلنا في مرحلة عبثية يصعب التكهن بمجاهيلها.

فخلافا لحروب التقنيات الحديثة المعروفة (العراق وكوسوفو)، هذه الأزمة تعيد الاعتبار بقوة لمفهوم الأمن على حساب الحرية. وكما هو معروف في العلوم الإنسانية، الأمن ليس حالة، وإنما علاقة بالذات والآخر، علاقة مع العالم وتصور لهذا العالم.

هكذا علاقة، لا يمكن أن تبنى في حالة طوارئ وبعقلية الطوارئ. وعندما يكون هذا هو الحال، وتعلن حالة الطوارئ على الصعيد العالمي وليس فقط في جدران كيان سياسي صغير، فإن هذا الإعلان يعني الإنتاج الواسع لثقافة الطوارئ، وثقافة الطوارئ هي الثقافة القائمة على عناصر الأمان والاطمئنان ورفض الاختلاف وتكاليفه، فشبه الثقافة الاستثنائي الطابع ليس فقط مغيّبا لملكة التفكير باعتبارها مكلفة في الوقت والجهد.

وإنما مؤصل لعناصر مثل التبسيط والتعبئة والانفعال، أي مولدات التطرف الأساسية عند فيلهلم رايخ وأدورنو وهوركهايمر وكل الباحثين الذين درسوا الفاشية بعمق.

لو أخذنا كمثل على العلاقة بين الإنسان والإرهاب ما يحدث منذ خمس سنوات فيما يسمى “الحرب على الإرهاب” نلاحظ أن كوكبنا يعيش على نظم إعلان حالة حرب مفتوحة وغير واضحة الأهداف والمعالم.

وبالتالي حالة تكوين أشباح ضرورية لجعل الهيمنة مسألة مقبولة تحت ظلال الخوف من المجهول. فقد سمحت هجمات سبتمبر/ أيلول بإعطاء الغطاء القانوني وتحقيق التحالف الضروري لفرض سياسة هيمنة غير متكافئة بين الولايات المتحدة وحلفائها وبينها وبين عدوها المستهدف في كل حالة. إلا أن الإمعان في سياسة العنف والأمن للرد على العنف خلقت وضعا بشريا لا سابق له منذ الحرب العالمية الثانية.

وهكذا، وفي السنوات الخمس الأخيرة بدعوى الحرب على الإرهاب، تمت عملية إرهاب الحكومات وإخضاعها لمطالب تضرب في الصميم منظومة السلم والأمن العالمي اليوم، الأمر الذي ترتب عليه ست قضايا خطيرة على صعيد الوضع البشري:

1- ضرب منظومة الدفاع والأمن العالمي المشترك.
2- السعي لاحتكار اللجوء إلى القوة والعقوبات.
3- إقامة نظام مواز للعلاقات والتحالفات.
4- بلورة خطاب إيديولوجي مغلق حول “العدو”: الإسلام وربطه بموضوع الحرب المفتوحة على الإرهاب.
5- خنق وسائل المحاسبة المعاصرة في القانون الدولي.
6- رفض دمقرطة العلاقات الدولية لأنه يمر بالضرورة بإصلاح الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية.

لقد شكلت موضوعة “الحرب على الإرهاب” الغطاء الإيديولوجي لكل نزعات العداء تجاه العرب والمسلمين، وحققت حالة شك عام بالجاليات الإسلامية في الغرب وأعادت فكرة تفوق الثقافة الغربية والإنسان الغربي وازدراء الآخر.

حيث يصبح هذا الآخر لطيفا فقط عندما يكون عبدا، وبقدر ما بحث عن استقلاليته الاعتبارية والثقافية والسياسية بقدر ما كان موضوع شك وريبة وبالتالي محاصرة.

من هنا الإرهاب الحقيقي اليوم ليس نتاج مجموعات صغيرة موزعة في أرجاء المعمورة بقدر ما هو سياسة دولة عظمى تعتبر العنف الوسيلة الفضلى والأسرع لتحقيق برنامج إعادة معالم السيطرة في البطن الرخو المدعو بالعالم العربي.

وحتى لا يبقى أي مجال للخطاب المضاد أو استعمال الكلمات، فالمسلم يصنف في خانة تجربة أوروبية بائسة هي الفاشية وتطالب حكومات صديقة بتغيير مناهجها التعليمية وأخرى بالتصويت لقوى الخير السياسية فيها.

أما سلوك الإدارة الأميركية ووسائلها فهي ليست فقط نظيفة وإنما أيضا ذكية: قنابلها ذكية وتعذيبها ذكي ومدروس بل حتى في صناعة الألغام لم توقع الإدارة الأميركية على اتفاقية أوتاوا لأنها بصدد إنتاج ألغام ذكية؟؟ يبدو أن التقنيات الحديثة تسمح بصناعة ألغام تميز بين المنتسبين لمنظمة إرهابية وغير المنتسبين.

عقبت على الخبر صحيفة فكاهية بالقول “حبذا لو يغلقون سجون التحقيق السرية ويوقفون الحرب على الإرهاب ويوكلون أمر الإرهابيين للألغام الذكية”.

26/9/2006