نوفمبر 27, 2024

مفهوم الارتياح الأمريكي في غزة ؟

gaza2قال المندوب الأمريكي في مجلس الأمن الإسبوع الماضي  بأن وفده لن يوافق على استصدار أي إجراء رسمي من قبل مجلس الأمن لا تشعر بلاده بارتياح بشأنه”. وقد أكدت الخارجية والبيت الأبيض هذه السياسة في الرد على المحتجين على الحصار المطبق على مليون ونصف المليون فلسطيني، وقد أعربت إدارة بوش-شيني عن قلقها من تدفق جموع بشرية من غزة إلى الأراضي المصرية، وطالبت بوضع حد لما فيه خطر تسليح المواطنين (بالدقيق والزيت والخضار والفول السوداني) التي ستتحول لذخيرة لصواريخ القسام.  وفي استخفاف بعقول كل الناس، اعتبرت الإدارة الأمريكية هذا الحصار دفاعا عن النفس للمحتل الإسرائيلي الذي يعاني حرب استنزاف صاروخية، ويبدو أن من الواجب علينا،  شكر الرئيس الأمريكي لأنه لم يذهب إلى حد وصف هذه الصواريخ بأسلحة الدمار الشامل ولم يطلق على اسماعيل هنية لقب الكيماوي واكتفى بتصنيفه إرهابيا.

بدأ الحصار على قطاع غزة قبل وفاة الرئيس الفلسطيني عرفات وقبل انتاج “صواريخ” تعادل كفاءتها العسكرية المدافع الصغيرة الحجم في القرن الثامن عشر، وقبل انتخاب أغلبية من حركة حماس في التشريعي الفلسطيني، وقبل “الإنقلابين” في غزة والضفة. فمنذ بداية الانتفاضة الثانية، باشرت السلطات العسكرية الإسرائيلية تشديد إجراءات الحصار الدوائي والغذائي واعتمدت سياسة تحطيم الشجر والمساكن وتنظيف وتجريف مناطق واسعة غيرت الخريطة البيئية والزراعية للقطاع. وقد حطمت أبنية ومشاريع للاتحاد الأوربي ضمن عملية أوسلو أمام أعين العالم، وكانت مقابل كل ضربة حجر تحطم بناية أو تقصف حيا سكنيا. ناهيكم عن تمزيق أوصال المصانع الصغيرة ومجالات الانتاج المحلي والتضييق على الصيد البحري وربط الطاقة والماء مئة بالمئة بالاحتلال في محاولة لإخضاع الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال. هل من الضروري التذكير بما حطمته القوات الإسرائيلية من أجل عملية عسكرية لاختطاف عسكري إسرائيلي في 2006؟

في بداية الانتفاضة الثانية، أرسلت اللجنة العربية لحقوق الإنسان البروفسور ليون شفارتزنبرغ (الشخصية المدنية الأوربية المعروفة ووزير الصحة الفرنسي السابق وهو من عائلة يهودية) في بعثة تحقيق إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد عودته وباقي أعضاء البعثة قال لي: “لا أدري ما هي القوة التي تجعل أهل غزة يستمرون في البقاء على قيد الحياة، أتركني شهر في غزة وسترجع لتجدني بلحية طويلة وحزام ناسف ومع جماعة حماس، يوجد في غزة كل ما يدفع للموت، لذا من الأشرف أن يموت الإنسان شهيدا على أن يموت كجيف الحيوانات”.

إن وجود غزة محاصرة في أعلى منطقة كثافة سكانية في العالم تم تحطيم طاقاتها الذاتية بحرب ممنهجة لم تتوقف منذ 1967 دليل على حاجة العنجهية الإسرائيلية إلى غيتو محاصر لتفريغ شحنات التخمة في التسليح، التخمة في الدلال، التخمة في المساعدات ، التخمة في الدعم الغربي، التخمة في القتل، والرغبة الباثولوجية لحرمان الآخر من الحد الأدنى لإنسانيته باسم ضرورات الأمن الإسرائيلي. ففي هذا النوع من الكيانات السياسية القائم على تزاوج منطق الإسطورة غير العقلاني مع القوة بأجلى منتجاتها العلمية التدميرية، تشكل الشراسة ضرورة أما الإنسانية فحالة مستحيلة عندما يتعلق الأمر بالآخر. دولة القبيلة ذات الدم غير الصافي تبحث عن نقائها الديني والعرقي وعصبيتها الداخلية عبر الاشتراك في جريمة واحدة هي جريمة الاغتيال البطئ للشعب الفلسطيني. عندها يمكن للمواطن اليهودي أن يقول: نحن من نفس الدم، وقد بنينا ذاكرة مشتركة، استهلكنا لحم الأضحية نفسها، ورقصنا معا على جثمان الضحايا. إن عبادة الدم والعرق والدين تأخذ كل معانيها في صفاتنا المشتركة على أرض الميعاد، ثقافتنا الجديدة التي تميزنا عن حامل الشر العربي، الذي لا يستحق سوى التحقير والضرب، فهذه هي اللغة الوحيدة الذي تذكره بأننا سادة، وبأن لكل سيد عبد.

إن الدخول في هذا المنطق بشكل متطرف وأهوج، هو أيضا، بل قبل كل شئ، نتيجة طبيعية لتنصيب الإسرائيلي فوق الخطأ وفوق المحاسبة واعتباره الكائن الجدير بالحياة على الأرض الفلسطينية. وإلا كيف يمكن فهم قبول العالم الغربي لاستمرار جريمة ضد الإنسانية اسمها الاستيطان؟ كيف يمكن في حقبة سمتها هدم جدار برلين وبعد صدور رأي محكمة العدل الدولية، الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري على أراض فلسطينية محتلة؟ كيف يمكن قبول زرع قرابة 460 ألف مستوطن أكثر من نصفهم منذ اتفاقية أوسلو؟ عندما يصدر البرلمان الأوربي قرارا عن حقوق الإنسان في مصر فيزج فيه زجا موقفا عدائيا من غزة، وعندما لا تستطيع منظمة مثل هيومان رايتس وتش أن تطلق اسم جريمة جسيمة واحدة على كل ما تفعل إسرائيل ولا توصي في تاريخها كله بربط المساعدة العسكرية والمالية الأمريكية لإسرائيل بأي شرط يتعلق بحقوق الإنسان الفلسطيني، عندما ينسحب أكثر من قاضٍ من مجرد فكرة تقديم الحكومة الإسرائيلية لمحاكمة دولية للموطنين تعتمد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وترفض الرضوخ لأي طرف سياسي؟ عندما يقول لك رئيس كتلة برلمانية في الاتحاد الأوربي: “قلع شوكك بيديك، لن أضع حدا لمسيرتي السياسية من أجل غزة حماس”؟، عندما تعربد وزيرة الخارجية الأمريكية على مسئولي الأمن في مصر والسعودية والإمارات والأردن ولا تستطيع توجيه ملاحظة مؤدبة لمسئول إسرائيلي. عندما يوزع الرئيس الأمريكي الشوكولا بالعلم الإسرائيلي ويعتز بكونه أكثر من خدم الإسرائيليين منذ 1948، يصبح من الصعب فهم ما يمكن أن يعنيه الارتياح الأمريكي في غزة؟ ارتياح للموت أم عربدة في مجلس الأمن وشعور بالانتقام من شعب لم تنجح كل هذه الوسائل المقدمة للدولة العبرية من أجل إدخاله في أنابيب الترانسفير أو تحويله لهندي أحمر؟

————-

مفكر عربي من سورية  – 2/2/2008