أبريل 25, 2024

حول ملف المحرومين من الجنسية في قطر

سؤال: معروف عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان التحرك العاجل في حال وقوع أي انتهاك لحق شخص في العالم العربي، فهل فعلتم هذا بالنسبة لما أصبح يعرف بملف 5266 قطري الذين نزعت منهم الجنسية؟

جواب: قضية الجنسية من أكثر ملفات حقوق الإنسان صعوبة، لأن الدول التي أنتجت ما يعرف في العلوم السياسية بالدولة-الأمة كانت حريصة على ربط مفهوم الجنسية مباشرة بسيادة الدولة.

الدولة تدافع عن مفهومها المطلق للسيادة ونحن ندافع عن مفهوم السيادة النسبية، الحكومات تؤكد على فكرة الرعية ونحن نؤكد على فكرة المواطنة، السلطات التنفيذية تعتبر الجنسية موضوع ولاء سياسي للحكومة ونحن نربطه بالمجتمع والدولة. وللأسف هناك نفاق دولي جامع في هذا الملف الصعب. في منطقة الخليج، يضاف لهذا التعقيد ظروف استثنائية إضافية أولها أننا لأول مرة نجد أنفسنا أمام دول الأجانب فيها أكثر من المواطنين، ورغم كون مجلس التعاون الخليجي أحسن أشكال التعاون العربي- العربي فهناك صراعات خليجية-خليجية تنعكس سلبا على حقوق المواطنة. وأخيرا وليس آخرا جاءت “الحرب على الإرهاب” لتضيف بعدا أمنيا (كما يحاول البعض تصوير الأمر) لمن يحمل أكثر من جنسية خليجية. لذا اللجنة العربية تقرع ناقوس الخطر وتخشى أن يكون الإجراء القطري مقدمة لإشاعة موضوع نزع الجنسية لأكثر من 120 ألف شخص من مختلف دول مجلس التعاون. من هنا حرصنا على التعامل مع هذا الملف بهدوء وحكمة. وفي حالات سابقة توجهنا أولا للحكومة قبل العمل الإعلامي. كما في حالة نزع الجنسية عن ابنة الناطق الرسمي باسم منظمة القاعدة في الكويت. وقد لبت الحكومة الكويتية وقتها طلب نشطاء حقوق الإنسان.

سؤال:  هل الأمر بهذا التعقيد في القانون الدولي لحقوق الإنسان؟

جواب: منذ الكتابات الأولى حول الجنسية وحتى اليوم نجد التعريف التالي للجنسية: “رابطة قانونية سياسية تربط شخصا ما بدولة”. هنا يتفق رجال القانون وبعدها لا يجمعهم شيء. فثمة دول تقيم حق الجنسية على رابطة الدم sanguinis   أو حق الأرض  Jus soli  الدولة العبرية كما هو معروف تربط الحق بأسطورة دولة الميعاد لتحرم غير اليهود من حق العودة. إذن نحن أمام قضية وطنية بحتة تخضع للتعريف العام لسيادة الدولة، ويمكن القول أن النص الوحيد غير الوطني حول الجنسية ( معاهدة لاهاي الموقعة في 12 أبريل (نيسان) 1930 ) يؤكد على هذه النقطة:

“- يعود لكل دولة أن تحدد بتشريعاتها الخاصة من هم وطنيوها.

– فقط هذه التشريعات لها الحق في تحديد إذا ما كان الفرد من رعايا الدولة أم لم يكن.”. وقعت بريطانيا (دولة الحماية في قطر عام 1930، يعود استقلال دولة قطر لعام 1971) على اتفاقية لاهاي التي وإن تركت أمر الجنسية للتشريع الخاص بكل دولة فقد حثت في المادة 15 على إعطاء  الأطفال المولودين لآباء بدون جنسية، جنسية البلد التي ولدوا فيها. ولم تعترض دولة قطر في أي نص قانوني أو إعلان سياسي على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة 15 على مبدأين أساسيين: الأول، حق كل فرد بالتمتع بجنسية ما، والثاني، عدم جواز حرمان شخص من جنسيته تعسفا أو إنكار حقه في تغييرها:

1- لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.

2- لا يجوز تعسفاً حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حق تغيير جنسيته.

أهم التزامين لدولة قطر على الصعيد الدولي يتعلقان بحق الجنسية يكمنان في:

 أولا:  توقيع دولة قطر على الاتفاقية الأساس المتعلقة بحقوق الطفل في 8/12/1992 وتصديقها عليها في 3/4/1995 ودخولها حيز التنفيذ في 3/5/1995.  هذه الاتفاقية تؤكد على إجماع الدول على حق الطفل في الحصول على الجنسية عند الولادة بصرف النظر عن كون والديه عديمي الجنسية أم لا. وحقه في الاحتفاظ بها وعدم نزعها بشكل تعسفي.

ثانيا: انضمام دولة قطر للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري .

يؤكد الدستور القطري على رفض أي شكل من أشكال التمييز فقد جاء في المادة 35:

“الناس متساوون أمام القانون. لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين.”.

في حين أحالت المادة 41 قضايا الجنسية إلى القانون الذي يكتسب صفة دستورية:

“الجنسية القطرية وأحكامها يحددها القانون. وتكون لتلك الأحكام صفة دستورية”

وأهم ما يعنينا في قانون الجنسية القطري لسنة 1961 المادة رقم (15) التي تمنع العقوبة الجماعية بالنص: “يترتب على إسقاط الجنسية زوال الجنسية القطرية عن صاحبها وحده إذا وجد السبب”.

فإذا أضفنا لذلك ما جاء في المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل:

1″- يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما.

2- تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقاً لقانونها الوطني والتزامها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان، ولا سيما حيث يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك.”

يمكن القول بأن القانون القطري والالتزام الدولي لدولة قطر يتعارضان تماما مع هذا الإجراء التعسفي. ولكن القانون الدولي لم يعطنا أي مجال للتدخل بحق البالغين ويحصر الأمر في أي شكوى دولية بقضية الأطفال والتحقق في قضية العقوبة الجماعية في حال غياب ازدواج الجنسية. من هنا كانت رغبتنا منذ البدء في إيصال وجهة نظرنا للحكومة القطرية وهي أن ملف الجنسية لأهل الجزيرة والخليج ملف في غاية الحساسية، ونحن ضد أي شكل من أشكال الاستعمال أو التوظيف أو التوظيف المضاد لهذه القضية. لأنها بخطورة استعمال العنف. كون من السهل البدء بالحرمان ولكن من الصعب توقيف هذا المنطق. لقد استمعنا بشكل أولي لوجهة النظر الرسمية وننتظر بادرة إيجابية أو تدخل من أمير دولة قطر لرفع أية مظالم حدثت.  وقد وعدنا الأسر التي زودتنا بالمعلومات بعدم التحرك في المحافل الدولية مادامت فرصة القرار السياسي القطري قائمة. لدي تقرير من 48 صفحة كبيرة بالفرنسية ترجمناه للعربية ونقلت محتواه لمسئول قطري معروف بتعاطفه مع قضايا حقوق الإنسان في زيارتي لقطر قبل أسبوعين. ونأمل ردا إيجابيا.

سؤال: ما هو  محور التقرير الذي أعدته اللجنة العربية مع ثمانية من منظمات حقوق الإنسان ؟

جواب: أولا وصف تفصيلي للقضية، ثانيا الأبعاد القانونية للموضوع وثالثا المترتبات السلبية على هذا القرار سياسية كانت أو حقوقية أو إنسانية أو إعلامية.

سؤال:   لماذا طلب عدد من أفراد الأسرة من اللجنة الانتظار ؟

جواب: هذا حقهم الكامل، هناك تقاليد في المنطقة نحترمها حتى لا يحدث هناك شرخ بين الضحية واللجنة العربية لحقوق الإنسان، هناك ما يسمى “حب الخشوم” وبادرة الأمير وغير ذلك مما لعب دورا تاريخيا في اقتصاد العنف والتقليل من حالات العسف ورفع المظالم بالعلاقة المباشرة مع الحاكم. كثير من عائلات المعتقلين يطلبون منا عدم الحديث في ملفات أبنائهم ماداموا لم يستنفذوا الطرق العرفية والاجتماعية للتدخل. نحن نريد عنبا ولا نريد قتل الناطور، لذا نحترم رغبة من يعمل معنا في استنفاذ وسائل التدخل البناءة الهادئة.

سؤال:ما هي الإجراءات المستقبلية التي ستتخذها اللجنة في حالة عدم تجاوب الحكومة القطرية وإصرارها على القرار؟

جواب : من السابق للأوان الحديث في هذا، نحن نأمل من الحكومة القطرية حل المشكلة وفق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والقيم العربية الإسلامية والدستور القطري، في حال عدم حدوث ذلك، ما عليك إلا أن تتابع ما فعلته اللجنة العربية للدفاع عن المحرومين من الجنسية في سورية أو في عهد صدام حسين في العراق أو في ملف البدون في الكويت. يمكنك أن تلاحظ أن لدينا الخبرة والقدرة لأن نكون بصف كل محروم من الجنسية في العالم العربي. وعندما لا يسعفنا القانون الدولي، كما هو الحال في هذا الملف، تسعفنا خبرتنا في تنظيم الحملات الدولية الحقوقية والإعلامية.

أجرى المقابلة لصحيفة الوطن : عبد الله بن فلاح