بينما كنت أتصحف الشبكة العنكبوتية وقفت على هذا الخبر في أرشيفها:
“طالب هيثم مناع، نائب المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنى السورية المعارضة في تصريح لبرنامج (مع زينة يازجي)، يبث الأحد (3 يونيو2012) على شاشة تلفزيون دبي، المبعوث الأممي والعربي إلى سوريا، كوفي عنان، بالدعوة إلى مؤتمر دولي حول سوريا تشارك فيه، فضلاً عن النظام والمعارضة، كل الأطراف الدولية الفاعلة ذات العلاقة بالأزمة السورية، على غرار، روسيا والصين والولايات المتحدة، والدول العربية المعنية وكذلك إيران وتركيا، مبرراً ذلك بـالحاجة إلى حل شامل، دولياً وإقليمياً وسورياً’، كما حذر في الوقت ذاته، من شبح ‘عشرين سنة من الحرب الأهلية’، في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه ‘في هذه اللحظة التاريخية”ا.هـ.
لا شك بأننا في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، كنا أول المدافعين عن الحل السياسي وندعي أيضا، بأننا كنا القوة السياسية التي تمتلك السيادة في قرارها. الأمر الذي سمح لنا باستقراء اقتراحات وتصورات أكثر صدقا مع احتياجات الوطن والمواطن. وكون القرار السوري قد خرج من أيدي السوريين منذ سقط قطاع من الثائرين على الاستبداد والفساد في أفخاخ العنف والطائفية واستجداء التدخل الخارجي. لذا قدمنا اقتراحات بناءة لحل سياسي للجامعة العربية أجهضتها السلطة السورية والتحالف القطري السعودي التركي. وحاولنا مواجهة مشروع “أعدقاء الشعب السوري” منذ انطلاقته لأنه يحوّل الصراع في سورية إلى صراع على سورية، وعندما لم تعد أوراق الصراع الدائر على الأراضي السورية طالبنا بتوافق دولي وإقليمي يضع حدا للنزيف السوري الذي لم يخجل السفير الأمريكي روبرت فورد، الذي يحمل في ذاكرته السياسية تجربتي الكونترا في نيكاراغوا واحتلال العراق، بالتصريح لنا “بأن حرب الاستنزاف في سورية في مصلحتنا”.
لقد أعلنت هيئة التنسيق منذ مؤتمر حلبون عن ضرورة التمسك بالاستقلال الأول (سيادة السوريين على قرارهم) والاستقلال الثاني (بناء دولة ديمقراطية مدنية)، باعتبار التضحية بأحدهما تضحية بكليهما.
كم نبهنا إلى الفارق بين تمثيل الشعب والتمثيل على الشعب. كم من مرة طالبنا بوضع التخوم بين فريق يعيش من الثورة وفريق يعيش من أجل الثورة. كم من مرة أكدنا على أن التدخل يعوّم حالة التدخل والعنف ينجب العنف والطائفية تعطي الميدان للغرائز الأكثر تطرفا وظلامية. كم مرة حذرنا من بيع الوهم والشعبوية ونتائجهما الكارثية؟ كم من مرة قلنا بأن التاريخ لن يرحم طبقة سياسية وجماعات عسكرية خيرت شعبها بين الدكتاتورية والتبعية.
انتصر رأس المال النفطي والمالي على رأس المال الإنساني. وساد البلاد شبيحة الموت وعشوائيات التسلح وميليشيات التكفير. تحطمت مصانع وورشات ومصادر عمل وصار أكثر من نصف الشعب السوري بدون وارد يعيش منه، سواء قذفت به الأحداث لمخيمات اللجوء التي سبقت قاطنيها، أو في النزوح الداخلي في المدارس والحدائق العامة والأبنية المهجورة. الهم الأساسي للنظام كان البقاء في السلطة. أما من شكل مجلسا انتقاليا فكان ينتظر نسخ الأنموذج الليبي أو العراقي كما انتظر صموئيل بيكيت غودو. وعندما أفلست كل المشاريع. لم يقف أحد ممن صار رهينة المال السياسي وقفة ضمير. بل اتفقوا في الدوحة على شعار (لا حوار ولا تفاوض) بحضور كل الدول العربية والغربية المشاركة في مؤتمر جنيف الأول!.
كان لا بد لكل ديمقراطي مدافع عن سورية ديمقراطية ودولة مدنية أن يستنفر أنصار هذا التيار الشعبي الواسع في مؤتمر وطني جامع. فدعت هيئة التنسيق الوطنية لمؤتمر إنقاذ في دمشق في 24 أيلول 2012 باركت لنا به السلطات السورية بخطف عبد العزيز الخير وإياس عياش وماهر طحان قبل أربعة أيام من انعقاده. ودعينا إلى مؤتمر موسع في روما في ديسمبر 2012. إلا أن الحكومة الإيطالية بطلب من أعدقاء الشعب السوري، قررت منع انعقاد المؤتمر على أراضيها، وأوعزت لجماعة سانتي جيديو بالانسحاب من التزامها مع الديمقراطيين السوريين. فاضطررنا لتغيير الموعد والبلد. واخترنا جنيف. مورست ضغوط كبيرة على عدد من القوى والشخصيات من أجل مقاطعة المؤتمر. وقاطعه أيضا كل الذين مدوا خيوطا سرية إلى السعودية للدخول في مشروعها السياسي ضمن سقف الائتلاف. ومنعت السلطات السويسرية بطلب فرنسي 67 تأشيرات الدخول منعا لحضورهم. ومع ذلك تمكنا من عقد المؤتمر بحضور أكثر من مائتي شخص. وكان قرار المؤتمر في 31/1/2013 بضرورة المشاركة في مؤتمر جنيف 2.
اقترحنا على السلطات السويسرية تدريب كوادر المعارضة السورية على التفاوض، لم يتم تبني مقترحنا. ثم بعد أشهر اتصلت بنا الخارجية السويسرية لتعلمنا بضرورة هذا المشروع فأحييناه معهم وباسمهم وتحت مظلة الأمم المتحدة. فإذا بالسيد ناصر القدوة نائب المبعوث الدولي يعلمني في نيويورك بأن تدريب الائتلاف سيتم في اسطنبول قريبا. أقمنا الدنيا ولم نقعدها على هذا الالتفاف على المعارضة الديمقراطية، واضطرت الأمم المتحدة لتنظيم تدريب ثان في مونترو السويسرية لهيئة التنسيق الوطنية.
في كل لقاء بين الفريقين الروسي والأمريكي كنا نتلقى دعوة إلى جنيف لكي نستمع لنتائج اللقاء. وفي كل لقاء مع الأخضر الإبراهيمي كان يؤكد على ضرورة وجود وفد وازن وتمثيل مقبول للمعارضة السورية. في حين كان الطرف الأمريكي يصر على أن نقبل بالمشاركة في مظلة الائتلاف وضمن وفده. وانتهى الأمر بقطيعة السيد فورد معنا منذ السادس من أغسطس بدعوى اتهامنا له بالتواصل مع منظمات إرهابية.
كانت لعبة الأمم في مطبخ الإقليم تنضج أولا بأول. وإثر التوافق بينهما في الملف الكيميائي السوري والملف الإيراني. توافق الروسي والأمريكي على تقاسم الأدوار: يتعهد الطرف الروسي بإقناع السلطة السورية بالمشاركة ويحضر أسماء الوفد الحكومي، ويتعهد الطرف الأمريكي بإقناع المعارضة السورية بالحضور وتشكيل وفدها. وكون الممثل الوحيد للثورة والشعب في القراءة الأمريكية هو حتى اليوم الائتلاف السوري، فقد أعلمنا أكثر من بلد من “أعدقاء الشعب السوري” بأن من مصلحتنا دخول مؤتمر جنيف تحت مظلة الائتلاف حتى لا نهمش ونوضع خارجه وأن تكون وحدات حماية الشعب في وفد النظام. كان موقف هيئة التنسيق صارما وواضحا: نحن مع وفد موحد، برنامج موحد وصوت موحد للمعارضة السورية. لكن نقاط الخلاف مع الائتلاف ليست شكلية. فهو هيكل تحت سيطرة صانعيه، ونحن جسم صنع نفسه بنفسه. قرارهم يفبرك في محافل الآخرين، أما قرارنا فبأيدينا. هيكل الائتلاف متنافر تضطره الضغوط الخارجية على البقاء واحدا، وجسمنا صلب في تصوراته، متين في قيمه، وصلب في المبادئ والبرنامج الذي يدافع عنه. الائتلاف هيكل انفجاري والهيئة هيكل متماسك. الائتلاف شارك جديا في اغتيال السياسة والحل السياسي منذ تأسيسه وقتل بذور المشاريع السياسية التي أطلقها الشيخ معاذ الخطيب وغيره. الائتلاف على قيد الحياة مازال مدعوما من صانعيه، وينتهي بنهاية دعمهم له. أما هيئة التنسيق فابنة تاريخ نضالي طويل وما من قوة في العالم تستطيع حرفها عن مسارها أو اغتيال نضالها ومكانتها مهما كان التعسف والقمع الذي تتعرض لهما.
حتى اليوم لم يحسم الائتلاف أمره في حين أننا قدمنا للأمم المتحدة اسماء وفدنا المنتخب ديمقراطيا ومذكرة بتصورنا للمؤتمر وبرنامجا كان مثار إعجاب الطرف الأممي حول التحضير لإنجاح المؤتمر.
أكاد أضحك كلما صنفنا التابعون والمرتزقة بحلفاء روسيا وإيران والصين. فامتلاك شبكة علاقات واسعة وجيدة تحسب لنا ولا تحسب علينا. وعلاقتنا بهذه الأطراف كانت دائما ندية وقائمة على الاحترام المتبادل. وبالتأكيد فإن موقفنا الواضح والصارم نقوله لوزير خارجية الصين أو روسيا بما يليق بكرامة وسيادة الإنسان السوري ودون كلل. في حين يجلس بعض “المثقفين” من معارضتنا الأبية أمام أشباه الأسماء السعودية أو القطرية أو التركية من مموليهم وداعميهم أقزاما.
لقد أعلمت السيد بوغدانوف في اجتماعنا الأخير في جنيف بأن هيئة التنسيق تريد إنجاح جنيف وليس مجرد انعقاده. وأن الفكرة القائلة بأن مجرد انعقاد المؤتمر يشكل نجاحا للحل السياسي فكرة خاطئة. وإنجاح جنيف يتطلب تحضير الأجواء الإيجابية لحدث بهذه الأهمية. فما معنى عقد المؤتمر والطائرات تقذف البراميل المتفجرة على المدن؟ ما معنى عقد المؤتمر وعدد المعتقلين في ازدياد والنساء والأطفال يشاطرون الرجال حملات الاعتقال؟ ما معنى عقد المؤتمر ومناطق كبيرة في سورية محرومة من الغذاء والدواء والماء والكهرباء؟ ما معنى عقد المؤتمر وأكثر من مائتي امرأة ورجل مازالوا مخطوفين من قبل المعارضة المسلحة؟ ما معنى أن لا تتمكن القوى الداعمة للسلطة السورية من اطلاق سراح رجاء الناصر وعبد العزيز الخير المنتخبان لوفد هيئة التنسيق إلى جنيف؟
أخبرني صديق من الائتلاف برد السيد روبرت فورد على بعضٍ من أسئلتي للسيد بوغدانوف التي سمعها السفير الأمريكي من عضو في الائتلاف: “إذا لم تذهبوا إلى جنيف سيستمر النظام في القصف بالبراميل، وإذا ذهبتم إلى جنيف سيستمر النظام بالقصف بالبراميل، لذا من الأفضل أن تذهبوا إلى جنيف”.
طلب رئيس الائتلاف اللقاء بالأستاذ حسن عبد العظيم وهيثم مناع، طلبت من المكتب التنفيذي اعفائي من هذا اللقاء. فجرى التصويت بالإجماع لأن أشارك فيه فاحترمت قرار الهيئة.
التقينا مع السيد أحمد الجربا في ليلة 9-10 ك2/ديسمبر 2013 في القاهرة سرا لقرابة أربع ساعات، والسرية بناء على طلبه. وناقشنا مشروع هيئة التنسيق وتنظيمات وشخصيات معارضة هامة القائم على عقد اجتماع تحضيري لجنيف في القاهرة من أجل وضع برنامج مشترك للمعارضة السورية وتشكيل وفد مشترك باسم “المعارضة الوطنية السورية”. وقد كان التوافق جليا في الجلسة على خطة الطريق هذه. وعندما تحدث السيد الجربا عن ضرورة تأجيل موعد المؤتمر، قلنا له عندما يكون لنا صوتا واحدا وقويا نضع ورقة التأجيل على الطاولة، وسيرضخ المجتمع الدولي لإرادتنا. أما أن نطالب فرادى فسنفشل في ذلك لأن الضغوط عليكم ستكون كبيرة للانصياع. ذهب السيد الجربا ولم يعد. ثم علمنا بأن الائتلاف قد صرف النظر عن هذا المشروع.
اليوم، يطالب المندوب السامي للمعارضة السورية (أقصد الطرف الأمريكي) بعضنا بالانضمام لوفد الائتلاف إلى مؤتمر جنيف. وفد لم تظهر معالمه ولم تحضر أوراقه ولا نعرف حالة تماسك الائتلاف يوم تقرير الحضور أو عدمه في السابع عشر من هذا الشهر وبعدها تشكيل هذا الوفد في أقل من أسبوع على المؤتمر؟.
كنت قد تصورت هذا السيناريو مبكرا عندما فهمت بأن مصير المعارضة لن يكون بيدها في المؤتمر وأن الطرف السعودي لن يؤيد جنيف إلا إذا كان صوت المعارضة السورية فيه تحت وصايته ووصاية “أعدقاء الشعب السوري”. فأخبرت الطرف الروسي في العام الماضي، بأنني شخصيا لا أريد المشاركة في هذا المؤتمر في هكذا ظروف مهما كان قرار هيئة التنسيق الوطنية. وأنني لن أراجع موقفي هذا إلا بحضور عبد العزيز الخير ورجاء الناصر.
الثلاثاء، ستناقش هيئة التنسيق الوطنية قرارها النهائي. أعرف جيدا أن هذه الهيئة التي ربطت باستمرار بين السيادة الوطنية والمشروع الديمقراطي المدني، لن تقبل بأن تكون مطية وأداة. وترفض تحّول الصوت السوري الحر إلى مفعول به مصلوب. لهذا أكتب هذه الأسطر، لأشرح لكل مواطن سوري الدواعي التي تجعل الآباء الروحيين لمؤتمر جنيف 2 يرفضون خنق الحل السياسي في وضح النهار.
لقد آن الأوان لعقد مؤتمر وطني ديمقراطي لكل أحرار سورية من أجل تكوين جسم سياسي جامع ومستقل قادر على خوض المعركة السياسية بقوة وكفاءة مع السلطة الدكتاتورية ولعبة الأمم.
و الوجود. ويستعيد الإنسان مكانته باعتباره القيمة الواعية المكرمة الأرقى في هذا الوجود.
——————-
راي اليوم 14/01/2014،