شدّد د. هيثم مناع المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان على “ضرورة امتلاك الجرأة للدفاع فقط عن الطرق السلمية للانتقال الديمقراطي، وإعادة صياغة الخطاب الوطني” في الدول العربية، واعتبر أن “النهج الأمني في إدارة الحياة السياسية وبناء مؤسسات دولة قانون، فشل على ضفتي الحدود السورية اللبنانية”، ولكن رأى في نفس الوقت أن خيار “الفوضى الخارجية” فشل بكل المعاني أيضاً.
وأضاف مناع، الناشط العربي المعروف، في حوار مع وكالة الأنباء الإيطالية (آكي) “ليس لأننا جبناء نصرّ على الانتقال بدون خسائر، أو بأقل الخسائر، لكن لأننا نملك الجرأة والصدق مع أنفسنا ومع مجتمعاتنا. فلا يوجد مثل واحد للانتقال العنيف في بلدان المحيط العولمي حدث دون تقهقر كبير في البنى التحتية والأمن الإنساني والقدرة على البقاء في الصراع، الذي لا يرحم، للاستمرار في وضع مقبول للدول والأشخاص”.
وأشار إلى أنه “رغم كل صرخات التحذير من ضرب المجتمع المدني الناشئ في سورية، إلا أن السلطة اعتقلت وهددت، ووجهت ضربة قاسية لأهم تعبيرات نضوج التغيير في المجتمع السوري. وقد دفع هذا البلد الثمن اقتطاعاً له من تاريخ الفعل السياسي الإقليمي، لأن سورية ربيع دمشق امتلكت أهم أسلحة الدفاع الذاتي المعاصرة: المواطنة باعتبارها ترسانة الوطنية في القرن الجديد”.
ورأى مناع أن عوامل التغيير “مازالت ناضجة داخل وخارج البلاد”، مشدّداً على أن “خارج البلاد لا يعني المرتزقة بكافة أشكالها”، وإنما “الكوادر السياسية والثقافية النوعية، ورجال الأعمال التواقين لتشغيل أموالهم في مسقط رؤوسهم، وطاقات كبيرة شردها القمع والتهديد في الأموال والحريات. تلك التي رفضت وضع الوطن في مزاد علني، وهي تستحق كل تسهيلات العودة لسورية جديدة. بلد لا تنتج العاطلين وأشباه البروليتاريين لجيرانه، بل موارد عمل جديدة ومجالات معرفة وأبحاث متقدمة”.
وأشار مناع للوضع الوضع السائد ودقته وحساسيته، وقال “نعرف أن من زرع الاستبداد لا يريد أن يحرق حقل الطغيان الناجم عنه. لكننا في حقبة لم يعد فيها للبنى القديمة إلا أن تقبل بالتغيير من تحت ومن الداخل. فالخارج يفضّل التعامل مع غيرها، ولو كان هذا الغير خيال مآته. بالتالي لدى السلطة السياسية الحاكمة مصلحة غريزية للعودة إلى الناس. كون خيار الخارج يحمل كل عناصر الثأر والانتقام (لم يقبل صدام بمصالحة المجتمع، فزرع أسس هدم العراق ومنطق اجتثاث البعث الانتقامي). في حين يحمل خيار الداخل كل عناصر المصالحة الحضارية القائمة على العدل والإنصاف”.
واعتبر أن حزب البعث له الحق في أن يحاول “الخروج من المستنقع الذي غذاه بنفسه وحقنه بكل الطفيليات، لكن ليس من حقه أن يبقى في سجن شعاره (خلاص المجتمع بخلاص الحزب). فالحزب الواحد مات والقائد مات والأنموذج التسلطي تحول إلى نقمة عامة”. ورأى أن على حزب البعث إن أراد المشاركة في التغيير “أن يستوعب فكرة حق كل أحزاب المعارضة في عقد مؤتمراتها بكل حرية وبشكل علني، يسمح بتلاقح الآراء والأفكار وسماع أكثر من لحن في سمفونية الحديث عن التغيير”. فالديمقراطية برأيه “مبارزة سلمية بين أطراف اختارت الكلمة سيفاً”.
ودعا مناع السوري الأصل الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة في سورية ـ إن أرادت أن تكون جزءاً من الحاضر والمستقبل، وليس فقط الماضي ـ أن “ترى بعيون ذكية حاجتها الماسة للمعارضة، معارضة قوية متعددة الألوان والأطياف، تخفف من عقمها السياسي”، معتبراً أن معارضة كهذه هي “أس ديناميات جديدة على صعيد الإبداع السياسي والتفعيل المدني والمشاركة العامة للجميع من أجل الجميع”.
وأكّد على أهمية امتلاك الجرأة لإعلان الحرب على الطائفية “وهي أولى معالم إعادة اكتشاف الوطن المواطني والوطن المشترك”، ورفض أي إقصاء أو استبعاد عن الحياة المدنية والسياسية، مشيراً إلى أن “المجتمع المدني هش ويانع، أما عناصر الفتنة الطائفية فمتعددة ومتأصلة. وأي تهاون مع الخطاب الطائفي نقمة جماعية لن ينجو من وبائها أحد”، وأي ربط للهوية السياسية بالانتماء الطائفي والقومي لا بالمواطنة تشكل “أنموذج رديء لمجتمع يمازج بين الليبرالية المتوحشة والانتماءات العضوية قبل المدنية”.
وطالب أخيراً بتحالف واسع “يضم كل العلمانيين الديمقراطيين ورواد الإصلاح الإسلامي” في حركة مدنية تطالب بدولة مدنية، أي تتفق على “الطابع البشري غير المقدس للنشاط السياسي والأهلي في البلاد وتجعل الحقوق المدنية والسياسية وفق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان هدفاً مشتركاً لثقافة وطنية جديدة مشتركة”.
دمشق ـ باريس (22 نيسان/ أبريل) وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء: 22/5/2004