أبريل 19, 2024

من يعول على من ؟؟

snfقبيل صدور بيان “جبهة الخلاص الوطني”صدر تصريح من كل من قطبيها يعطينا التصورين التاليين:

–   الأول أنهما قد دخلا في ملكوت الغيب وعلما بما لا يحق لبشر العلم به، وهو أن عام 2006 هو عام نهاية عائلة الأسد في الحكم في سورية، وأن حدثاً كهذا يتطلب تجهيز البنية التحتية البديلة لإدارة شئون البلاد وعدم الوقوع في فوضى الفراغ السياسي الذي سينجم عن الانهيار الكبير.

–   الثاني: أن تقييم الأخ أبو أنس (علي البيانوني) لطبيعة المرحلة التي نعيشها يعتمد على ما يمكن تسميته  بالإخوان مانيا (الناس يدخلون في حركة الإخوان المسلمين أفواجا في العالم العربي، ويكفي حدوث انتخابات حرة في أي بلد عربي أو إسلامي لتتسلم الحركة مقاليد الأمور).

من هذين التصورين، يمكن، على الأقل من الناحية الحسابية الذرائعية الضيقة، أن نفهم، كيف يضحي المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين، بما يمكن تسميته “سنوات الاندماج في الحركة الوطنية الديمقراطية السورية” من أجل تحالف “ضد الطبيعة” مع أحد مهندسي سياسة استئصال الإخوان المسلمين في سورية والمسئول، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن ملفات أساسية للفساد والاستبداد. في اجتماع ليس فيه من كلمة الجبهة إلا الاسم، كونه  لم ينجح في استقطاب أي رمز من رموز المعارضة وأي قوة من قواها السياسية والمدنية الفاعلة.

لله والتاريخ، لم تكن مسيرة بناء الجسور بين حركة الإخوان المسلمين والديمقراطيين السوريين سهلة. وكان لحقوق الإنسان والسجن دورا هاما في العملية. حقوق الإنسان لأن بعض أسمائها دافعوا عن ضحايا حركة الإخوان ونشأت عبر ملفات القمع علاقات إنسانية وجسور ثقة سمحت بلعب دور الوسيط هنا وهناك بين الحركة الوطنية الديمقراطية في الداخل وحركة الإخوان كتنظيم محصور، لأسباب معروفة، في الخارج. السجن كذلك سمح للضحايا باكتشاف أنهم بشر أولا ومحرومين من الحرية لرأيهم ثانيا وضحايا تعذيب وتنكيل ثالثا ومنتمين لحركات سياسية مختلفة رابعا.

كانت حركة الإخوان المسلمين قد تحالفت مع السلطات العراقية في الثمانينات، أي سنوات اعتقال معظم قيادات الحركة الوطنية الديمقراطية داخل سورية، وبالتالي كان ثمة شبه قطيعة بين النضج الداخلي وما يحدث خارج البلاد. وقد توافق تبني حركة الإخوان لبرنامج ديمقراطي في ظل دولة مدنية حديثة مع تنامي الحركة المدنية الاحتجاجية داخل البلاد. ويمكن القول، أنه وبالرغم من غياب التنسيق المباشر، جاء إعلان دمشق كلحظة توافق كبيرة بين اللحن السياسي داخل وخارج البلاد بين الخطابين العلماني والإسلامي من أجل التغيير.

كانت الإدارة الأمريكية قد دخلت على الخط بعدة تعبيرات طفيلية اعتبرتها ورقة ضغط صالحة لكل زمان ومكان أكثر منه أداة تغيير للسلطة. وفي حين كان الزلزال العراقي فرصة إعادة اعتبار للسلطة السورية التي صارت في الوعي الجماعي صمام السلم الأهلي في وجه الفوضى، جاء الزلزال اللبناني ليغير الأوراق وينقل الأنظار من شرقي سورية إلى غربها.

لكن لبنان ملف معقد، وعلاقة الطبقة السياسية التقليدية اللبنانية بالشعب السوري أكثر تعقيدا، فقد مات الحريري وجل أوراقه في أروقة السلطة في دمشق، وحج الوليد جنبلاط إلى العاصمة السورية حتى ملته غرف انتظار مسئوليها، وماذا أقول في العريضي الذي كان يتجنب أي معارض ديمقراطي سوري في أوربة خوفا من أن يقال… وبالتالي، المعارضة الديمقراطية السورية تحترم أشخاصا مثل سمير قصير، رغم خلافها حينا ولقائها أحيانا معه، أكثر بكثير من قدماء المدافعين عن عرين النظام الأمني السوري. وكل هذا تاريخ وسنوات لا يمكن أن تقنع المواطن العادي بأن التغيير في دمشق يمر عبد خدام النظام لأربعين عاما وعرابيه وراء البقاع خلال ثلاثين سنة؟

يبدو للبعض أن القادر على ذلك، هو الإدارة الأكثر حماقة وتطرفا في تاريخ الولايات المتحدة، فيكفي أن تستقبل الآنسة رايس مسئولا لبنانيا لينصب نفسه سمسارا عابرا للحدود، كما يكفي أن يرحب رامسفلد بمعتقل سابق في أحد مكاتب وزارته، ليظن بأن العصيان المدني قد وضع شرارته الأولى “من واشنطن”. لقد أنتج الاستبداد الداخلي والاستعباد الخارجي من جهة، تفككا هائلا في المعايير والقيم والأوليات النضالية، ومن جهة ثانية غباوة سياسية لا سابق لها تظن بأن بابا نويل موجود، وهو ليس مجرد طالب لبناني يتكسب عيشه من استئجار الثوب الأحمر لأخذ الصور مع الأطفال أمام غاليري لافاييت في ليالي العيد في باريس، بل هو ثائر حقيقي، مهدي العولمة الذي سيملأ الأرض حرية وكرامة بعد أن ملأتها الحكومات المستبدة المحلية جورا وفسقا.

باختصار شديد، السيد خدام، الذي أمضى أشهره الباريسية الأولى يلتقي الشخصيات اللبنانية التي اعتاد على إهانتها في دمشق، متيقن بأن رأس السنة الميلادية القادم سيكون في دمشق وعلى أنقاض عدويه فاروق الشرع وبشار الأسد. وقد أقنع أكثر من شخص بذلك. وبكل الأحوال، فشهادته في قضية الحريري ستكون حاسمة قاصمة.

المشكلة ليست في هذا التهريج السياسي لشخص كان الأجدر به، كما نصح الصديق رياض الترك، أن يعتزل العمل السياسي بعد كل ما فعل. المشكلة أن المعارضة السورية تخسر اليوم وحدة رمزية نجحت في تحقيقها إثر “إعلان دمشق” بعد ربع قرن من الأوجاع. ولا أدري كم سنحتاج، لإعادة جسور الثقة التي ضعضعتها بروكسل.

——————-

18/3/2006