أبريل 19, 2024

لا بد من التغيير في واشنطن لوقف دوامة العدوان في المنطقة العربية

washington رغم معرفة وجهة نظر أهم الفاعلين السياسيين في القرار الدولي وأهم الأطراف السياسية في منطقة الشرق الأوسط اليوم، إلا أن القراءات الحقوقية والقانونية المتعلقة بـ (الحرب العربية ـ الإسرائيلية السادسة) التي وقفت آخر طلقاتها صباح اليوم (الاثنين)، لم ولن تجف قريباً. وفي سعي لمعرفة إن كانت قد تبلورت لمنظمات حقوق الإنسان وجهة نظر أم لا؟ وهل هناك خلاف في الوسط الحقوقي كما هو الحال في الوسط السياسي؟ وهل يمكن الحديث عن فتح جبهة القانون الدولي بعد وقف العمليات الهجومية. قال الدكتور هيثم مناع المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان في تصريح مطوّل لـ (آكي) يتعلق بالجانب الإنساني والنفسي لمعايشته لهذه الحرب قبل الوصول لحقوق الإنسان “لم أعش حالة استرجاع في الذاكرة واستحضار للمخزون الذهني ومكونات الذات الثقافية في عملية مراجعة ذاتية كالتي عشتها أثناء الحرب إلا يوم وصولي لمنفاي الباريسي عام 1978. أحسست بحالة اشمئزاز من السياسة العربية الرسمية لا سابق لها. أحياناً كنت أغلق الهاتف حتى لا أجري مقابلة لا أجد من الكلمات في قاموس الهجاء ما يلبي لاستعمالها بحق “رؤساء وملوك التعليمات العرب” الذين لم يعد الفعل السياسي كلمة موجودة في قاموسهم. فجأة شعرت بمدى العزلة التي يعيشها المواطن العربي المحروم من التعبير والتجمهر والتنظيم والخبز والتعليم فلا يجد للتنفيس سوى وضع جهاز التلفزيون في بيت ليس فيه من الحضارة الحديثة إلا شريط كهرباء يسمح لضحية فشل مشاريع النهضة والتنمية والتغيير بالتواصل مع العالم.. لذا لم أستغرب أن تغني شابات سافرات في ساحة التحرير لحزب الله، أو أن يصرخ باسمه علمانيون وشيوعيون. الحرب وضعتنا أمام النهاية المنطقية لما سمي بالحرب على الإرهاب، ما يسميه الفيلسوف الإيطالي جيورجيو أغامبن Giorgio Agamben (هشاشة الجسم القائم بالحرب على الإرهاب) ليتحول هو نفسه إلى إرهابي. الأمن حل محل الحرية، الحالة الاستثنائية محل القانون الدولي، احترام القانون الدولي أصبح نقيصة في ذهن صناع القرار الدولي والدولة الأقوى في الشرق الأوسط. لأول مرة أشعر بجسامة ما يمكن أن يترتب على احتقار وزير الدفاع الإسرائيلي لحقوق الإنسان وحق الآخر في الوجود. وما آلمني أكثر اعتبار المجتمع المشهدي الغربي لهذا أمراً عادياً ودفاع طبيعي عن النفس. لم أكن أتصور أن البشرية بعد أن منعت أكل لحم البشر يمكن أن تقبل في القرن الواحد والعشرين بإطلاق النار على جنازة فيتحول المشيع إلى تابوت، وأن يعتبر الأمر مجرد خطأ فني. أن تحدث أكثر من مجزرة قانا ولا يجرؤ مجلس الأمن على طلب لجنة تحقيق؟ الأمم المتحدة لا تجرؤ على المحاسبة في قضية مقتل جنودها، نحن نعيش حالة احتضار في الشرعية الدولية التي أنجبتها الحرب العالمية الثانية وبحاجة لإعادة النظر في أسس العلاقات الدولية من جديد”. وعن سبب تسميتها بنهاية حقبة وجيل أضاف مناع “لأن جيل المثقفين الذي لم يعد لديه قضية لم يعد لديه دور أو مكان. نحن أمام جلسة تحليل نفسي لكل من يكتب ويفكر. منذ 11 سبتمبر، عند عدد كبير من المثقفين تحوّل التأمل reflexion إلى منعكس reflex ، وصرنا نعيش حالة خلط بين العقل النقدي ولطم الذات وشتم الغير. نبحث عما يسميه الفرنسيون الجمل الصغيرة التي تستهوي الصحافة لنقول بأننا ما زلنا في صلب الأحداث. هناك جيل استنفد ذخيرته الفكرية والنضالية، وللأسف فهو لا يملك الجرأة لا على وضع تجربته على مشرح النقد أو الاستقالة بشرف. ويزيد في تعقيد حالته، أن السلطات التي همشته، هي التي حطمت ليس فقط مشروعه وطموحات شعوبها، بل كمون الطاقات الذاتية للمجتمع. اليوم هذه السلطات ليست فقط مطالبة بكشف حساب بل هي موضوع محاسبة على الأقل في الوعي الجماعي للناس. مئات آلاف الشبيبة الذين زجت بهم هذه الحرب للاهتمام بالشأن العام لن يتعرفوا على أنفسهم في أي حاكم عربي”. وفيما لو كانت حركة حقوق الإنسان قد دفعت ثمناً لما حدث، وتأثير ذلك عليها دولياً وإقليمياً، أوضح “الحركة تدفع ثمناً لتراجع الزخم الذي عاشته في 1993 إلى أدنى درجة على صعيد التزام الدول والتعبئة في المجتمعات المدنية على الصعيد العالمي. لا شك بأن عدم اكتراث الإدارة الأمريكية بالمظاهرات المليونية التي سبقت احتلال العراق قد ترك جرحاً عميقاً عند أنصار السلام وإحباط كبير لمن آمن بالاحتجاج السلمي. انتهاكات حقوق الإنسان في غوانتانامو وأبو غريب وتحول التجربة العراقية إلى مصنع للموت اليومي أعاد الثقة لمناهضي السياسة الأمريكية وجعل قطاعات مدنية واسعة تقول: نعم كان معنا كل الحق في مناهضة الحرب. ولكن هناك ما يمكن تسميته حالة استعصاء في جبهة مقاومة السياسة الأمريكية على الصعيد الحقوقي. الإدارة الحالية تلاحقنا في كل ما نبادر له، تهدد الدول التي نقيم فيها دعاوى قضائية، تجبر من وقع اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية على توقيع اتفاق ثنائي معها يضعها فوق المحاسبة. تلاحق النسيج المدني للجمعيات الإنسانية والحقوقية الذي يعزز مقاومة المجتمعات في وجه التسلط. نحن نعيش عولمة حالة الطوارئ ونحاول أن نواجهها بعولمة العدالة الدولية. المعركة غير متكافئة ولا بد من خلق وعي أممي بضرورة الوقوف في وجه بربرية القوة وفي معسكر العدالة. لذا واجبنا توثيق جرائم الحرب والاستفادة من الهامش الذي تسمح به قوانين بعض الدول الأوربية لإقامة دعاوى قضائية ضمن الاختصاص الجنائي العالمي universal jurisdiction لكي نعيد بناء الجسور بين المجتمع المدني الأوربي والعربي، بين منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. نحن في مواجهة أشرس معركة ضد ما أنجزته البشرية منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الإدارة الأمريكية الحالية لا تريد أن تسمع تعبير حقوق الشعوب أو القانون الإنساني الدولي. عندما يرد وزير العدل الأمريكي على قرار المحكمة الدستورية العليا الأمريكية حول غوانتانامو بأن هذا السجن سيبقى للأبد كيف يمكن أن ننتظر منه قراراً عادلاً حول لبنان”. وأخيراً اعتبر مناع الناشط العربي المعروف أن لبنان “حلقة في الحروب المدمرة التي تعتبرها الإدارة الأمريكية جزءاً من عملية مخاض شرق أوسط جديد”. وأعرب عن قناعته بأن هذه الإدارة “غير قادرة على وقف التدهور الإقليمي والدولي لأنها مقتنعة بأنه جزء من إستراتيجية أمنها القومي”، مشدداً على أنه “لا بد من التغيير في واشنطن من أجل وقف دوامة العدوان في المنطقة، ولا بد من مقاومة مجتمعية واسعة النطاق في المنطقة والعالم من أجل ضمان هذا التغيير في واشنطن”.

دمشق (14 آب/ أغسطس) وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء –