أبريل 25, 2024

الصحيفـة

Old-Paper[1]تعتبر الصحيفة أول عهد مدني في التاريخ الإسلامي. فهي ليست من القرآن أو الحديث وإنما عهد بين سكان مدينة  لتنظيم شؤون الحياة فيها أقره النبي مع غير المسلمين من سكانها. إن تحديد تاريخ كتابة الصحيفة يقع، تفاديا لأي خطأ ، بين آب (أغسطس) 622 وحزيران (يونيو) 624 (ما بين أول الهجرة و نهاية سنتها الثانية).

ترتكز الصحيفة على أنموذج  التعددية التجاورية  juxtaposition  الذي عرفته المسيحية واليهودية والهندوسية الخ. وهي تؤكد جملة حقوق منها

–  إقرار بالمساواة الاسمية في الحقوق والواجبات بين العصبات المسلمة والعصبات اليهودية.

– إقرار قاعدة المناصرة في ظروف الحرب.

– إقامة علاقات قائمة على البر و النصيحة دون الإثم في ظروف السلم.

  تنظيم العلاقات القانونية الجنائية وفق الأعراف العربية ما قبل الإسلامية باعتبار بطن كل قبيلة، بغض النظر عن دينه، ولي الدم في حالات القتل والخصام.

وللأهمية التاريخية لهذه الوثيقة في تأكيد مفهوم العهد والاتفاق السلمي على تنظيم الحقوق والواجبات بين الناس نوردها كنص تاريخي أساسي  لثقافة حقوق الإنسان العامة.

إذن، وكما يلاحظ، لا فرق بين العصبات المسلمة والعصبات اليهودية، بل هناك محاولة توفيق وتعايش بين الجماعات القربوية، باعتبار الجماعة المهاجرة أيضا ككل جماعة قربوية وظائفيا في جملة مترتبات الولاء العصبوي. مع غموض في قضية المسئولية الفردية وإعادة اعتبار للأعراف والعهود العربية ما بين القبلية، التي أعيد تقسيمها حسب المعتقد.

تقوم المساواة بين العناصر الموقعة على الصحيفة على أساس العددية التجاورية وليس التعددية الاندماجية (في عالمنا المعاصر هي أقرب لتعامل الدولة البريطانية مع مكوناتها الجماعية الداخلية والمهاجرة منه لتعامل الدولة الفرنسية مع هذه المكونات).  حيث يترك لكل جماعة تحديد وضع الفرد المنتمي إليها باعتبارها مسئولة عن أخطائه وبالمقابل المحددة لدوره ومكانته داخل الجماعة. 

لا تستثني “الصحيفة أشخاصا محددين من الحياة العامة بل تستثني التفريد بحد ذاته، وقد أسست دون شك لمفهوم الجماعات القربوية والجماعات الاعتقادية المتجاورة المتساوية في عالم كان الأساس في العلاقات بين الجماعات يعتمد الموالاة والتفاوت أكثر مما يعتمد الاحترام المتبادل والمساواة.

                                             (موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان، الجزء الأول)

 الصحيفة

“بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم، بين المؤمنين والمسلمين من قريش و يثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف  والقسط بين المؤمنين ، و بنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛ وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛ وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛ وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛ وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛ وان المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.

وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وان المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم، أو إثم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين؛  وان أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم؛ ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن؛ وان ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم؛ وان المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس؛ وانه من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم ؛ وان سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم؛ وان كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا؛ وان المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله؛ وان المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه؛ وانه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن، وإنه من اغتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وان المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه؛ وانه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر محدثا ولا يؤويه؛ وأنه من نصره أو آواه، فان عليه لعنة الله و غضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل؛ وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فان مرده إلى الله عز وجل، والى محمد صلى الله عليه و سلم؛ وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين؛ وان يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم ، فانه لا يوتغ إلا نفسه، وأهل بيته. وان  ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف؛ وان ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وان ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف؛ وان ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف،  وان ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف؛ إلا من ظلم و أثم، فانه لا يوتغ فلا نفسه وأهل بيته؛ وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم؛ وان لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف ، وان البر دون الإثم ؛ وإن موالي ثعلبة كأنفسهم؛ وإن بطانة يهود كأنفسهم؛  وانه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم؛ وانه لا ينحجز على ثار جرح؛ وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم؛  وأن الله على أبر هذا وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم؛ وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة؛ وإن بينهم النصح و النصيحة، و البر دون الإثم؛ وإنه من لم يأثم امرؤ بحليفه؛ وان النصر للمظلوم؛ وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين؛ وان يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ؛ وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم؛ وانه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها؛ وانه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده ، فان مرده إلى الله عز و جل، وإلى محمد رسول الله صلى الله ليه وسلم؛ وان الله على أتقى ما في هذه  الصحيفة وأبره؛ وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها؛ وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه وتلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه؛ وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك  فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم؛ وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.

وان البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم أو أثم ؛ وان اللـه جار لمن بر و اتقى، و محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم.”

04/08/2005